الثلاثاء، 11 يناير 2011

بالفيديو :حسين القباحى: الصعيد لا يعانى تهميشاً إبداعياً ولا ثقافياً ولا نقدياً


 أجرى الحوار   نسرين بخشونجى وهبة شورى   
حسين القباحى شاعر من الجنوب لكنه ولد فى القاهرة وانتقل مع أسرته إلى الأقصر حيث عائلته الكبيرة. كان فى سن الخامسة وظل مقيما هناك إلى الآن. ولد حسين القباحى فى ١٩٥٦ وحصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ عام ١٩٨٣، وبدأ رحلته الشعرية بديوان «قصائد جنوبية لامرأة لا جنوبية» عام ١٩٩١ ثم«كلام فى مستهل الوجع» ثم «نقوش جنوبية» ، ثم جاء ديوانه «نقوش على جدران الكرنك» ومؤخرا «قريبا يرتديك البحر» ، التقينا حسين القباحى فى قراءة سريعة لأعماله وللواقع الثقافى فى الأقصر.
■ اهتممت بالعصر الفرعونى فى كتاباتك فما سر ولعك بالفراعنة؟

- كان النقش الحجرى على هيئة الطيور والأشجار والحيوانات يجعلنى أتساءل دوما عما يعنى؟ كان هذا هو السؤال الذى يقتحمنى كلما زوغت من المدرسة الإعدادية التى لم يكن يفصلها عن معبد الأقصر سوى عشرات الأمتار وزحفت إلى داخل المعبد وتساءلت ماذا كتب الإنسان القديم هنا وعن أى شىء حكى ولماذا اختار النقش على الحجر لينقل من خلاله رسائله إلينا. ماذا أراد أن يترك للخلود؟ نفسه أم كلماته؟ واكتشفت أنه لا فرق بين كليهما.

■ كيف استفدت من الحياة فى الأقصر على مستوى كتاباتك؟

- لسنوات عديدة ظللت أسجل الكثير من المفردات التى ينطقها العامة ولا يفهمها القاهريون ولا ممثلو المسلسلات التليفزيونية الذين رسموا الصورة النمطية لصعيد مصر ورسخوها عنصرا ثقافيا مزيفا يحكم من خلاله على أهل الصعيد.

■ إذن فالأقصر ساهمت فى تشكيل عالمك السحرى الجنوبى؟

- بالتأكيد، اللغة الفصيحة عميقة المعنى ومجالس الذكر ورواية السيرة الهلالية وحكاوى الجدات على المصاطب فى ليالى الصيف القائظ، الحكم والأمثال ثم الانفتاح على العالم واستقبال السائحين الذين يجوبون النجوع المجاورة للأقصر ودعوتهم إلى شرب الشاى والتعجب لرطانتهم وابتساماتهم اللامفهومة. ومولد سيدى أبوالحجاج وساحات الأولياء الشيخ محمد الطيب والشيخ أحمد أبورضوان والنسب الجعفرى الشريف، سوق الثلاثاء وساحة المرماح وغيطان الذرة والقصب.
الدراويش والبهاليل الهائمون على وجوههم ليل نهار. السمر الطويل مع ليالى الزمر البلدى ورقص الغوازى من بنات مازن أو مع شيوخ المجودين للقرآن الكريم عبدالباسط ومحمد محمود صديق المنشاوى ومع المداحين الشيخ حماد أو الهراس من حفظة أشعار ابن الفارض وكبار المتصوفة..
هذا هو العالم السحرى المتنوع والمعجون بسخونة حرارة شمس الصعيد وخصب طمى أرضها السمراء، هو المعين الذى احتويته واحتوانى منذ البدايات الأولى وكان يعيدنى إلى مصر من غربتى التى لم يكن يكدر صفوها سوى البعد عن كل ذلك، حيث سافرت للعمل بدولة الإمارات العربية بين عامى ١٩٩٥ و٢٠٠٧ وأعود لأقول إن المشهد الثقافى فى الأقصر ثرى ومتنوع ومؤثر فى محيطه الاجتماعى والإنسانى ولعلى أزعم أن الجيل الذى بدأ فى الأقصر بحسين القباحى وأحمد جويلى وحسين خليفة ومحمد جاد المولى وحشمت يوسف استطاع أن يصنع التواصل الحقيقى مع عدة أطراف أولها محيطه الاجتماعى،
 ثانيها محيطه الثقافى المصرى المتمثل فى حركة أدباء مصر فى الأقاليم وأيضا مع العاصمة، وثالثها مع الأجيال اللاحقة التى انضمت للحركة الثقافية بالأقصر ثم نجحت هذه الكوكبة فى كسر الحصار الثقافى الذى تفرضه المؤسسات والجغرافيا.

■ إذن كتاباتك جزء من الواقع الجنوبى؟

- أعتقد أن كتاباتى صورة لذاتى أولا ثم لبيئتى الجنوبية وتعكس تكوينى الثقافى والإنسانى. أنا لا أكتب إلا عندما أحس أن الكتابة ضرورة وأن القصيدة تستدعينى لأكتبها لم أكتب أبدا من أجل النشر أو المناسبات أو إرضاء الذات أو الآخرين، لذا فأنا مقل جدا فى الكتابة فمجموعاتى الخمس هى نتاج ٢٥ عاما.

■ برأيك هل استطاع مبدعو الأقصر تجاوز مركزية القاهرة؟ وهل استطاعوا تحقيق حضورهم الإبداعى على مستوى مصر؟

- طيبة كما سماها القدماء وكما أحب أن أسميها أو الأقصر، قدمت للثقافة العربية خيرة المبدعين من أبنائها يحيى الطاهر عبدالله والدكتور يوسف جوهر وأحمد شمس الدين، كما أن تجربة الأبنودى وأمل دنقل نمت وترعرعت بين ساحاتها ومعابدها. ومن الأجيال اللاحقة الشعراء أحمد العشاوى وأحمد فؤاد جويلى ومحمد جاد المولى ومأمون الحجاجى وأسامة البنا وأشرف فراج والضوى والحسين خضرى، ومن كتاب القصة والرواية سيد مسعود وحسين خليفه وحشمت يوسف وعبدالسلام إبراهيم وبكرى عبدالحميد الذى يكتب الشعر إلى جانب المسرح وأصبح الكثير من أسماء هؤلاء المبدعين معروفا لدى المهتمين بالثقافة والإبداع فى شتى أنحاء مصر وهناك جوانب كثيرة مضيئة فى إبدعات أبناء الأقصر لكنها بحاجة لمن ينقب عنها ويبرز خصوصيتها.

■ هل تعتقد أن الجنوب يعانى تهميشا إعلاميا ونقديا؟

- لا نعانى تهميشا أيا كان وصفه وأعترف أن المجلات الأدبية لا يكاد يصدر عدد منها دون أن يكون لمبدعى الأقصر مكان فيه وأنا شخصيا أعانى من عدم قدرتى على مواكبة ما يطلب منى من نصوص ومواد إبداعية للكثير من المجلات والصفحات الأدبية داخل مصر وخارجها لأنى لا اكتب بناء على طلب.

■ ما الذى يشغلك كمبدع؟

- يشغلنى أين وكيف أضع نقشى للحياه ثم كيف ستبقى قصيدتى وتجربتى الشعرية بعدى كيف لا أكرر ذاتى أو الآخرين.. أما الهم الجنوبى فأتمنى أن يفهم المبدعون فى الأقصر حقيقة مواقعهم ومواقع الآخرين وأن البناء غير الهدم وأن الحركة الثقافية فى الأقصر بدأت جماعية وتوقفت تماما عندما انفرط عقد الجماعة.

■ ما هو أكثر ما يشكل قناعتك كشاعر تجاه الأقصر؟

- آمنت بمبدأ أنه ليس مهما أن تكون فى العاصمة أو تهاجر إليها فقد تجبر أنت العاصمة على القدوم إليك، المهم أن تكون مبدعا حقيقيا متسلحا بالموهبة والإصرار على أن تخط لنفسك نقشك الخاص، وأنا لا أستطيع العيش خارج نجع القباحى فهو المتن وكل المدن والبلدان هوامش، منه أخذت لغتى ونوازعى وقيمى وتكوينى النفسى والبيولوجى وشربت من ماءه المخلوط بطين ترعته القديمة وتسلقت جذوع نخله الصاعد نحو الحقيقة تشربت نماذجه الإنسانية التى تمتزج فيها الطيبة بالذكاء الفطرى وبالقناعة والرضا، وكان والدى أحد هذه النماذج وله قصه اعتمدتها مشروع روايتى التى أكتبها عن حياته الحافلة،
 أرجو أن تصدر قريبا، فقد كان والدى يعمل بالجيش المصرى، حيث انتقلت فى طفولتى مع الأسرة إلى غزة حتى قبيل عدوان ٦٧ وعادت الأسرة إلى نجع القباحى بالأقصر وأسر العدو الصهيونى والدى للمرة الثانية بعد ١٩٥٦ وعاد من الأسر ماشيا على قدميه بمساعدة بدو سيناء على اختراقها ليلا وسبح بعرض قناة السويس وحكى لى عن فطائع الأسر.
■ رغم أنك ولدت بالقاهرة فإنك فضلت الحياة فى الأقصر منذ أن عشت بها من سن خمس سنوات فلماذا؟

- لأن الأقصر البلد الحلال لكل الناس، الحرام على أهله البسطاء الطيبين، مورد اللغة الفصحى اللينة العميقة التى تتحدث بها العجائز وينطق بها الناس فى الأسواق والغيطان وعلى المصاطب والدكك الخشبية المرصوصة أمام البيوت.

■ نريد أن نقف على تفاصيل المشهد الثقافى فى الأقصر ما يميزه وما يعيبه؟

- الأقصر على مشارف الانتهاء من بناء قصر الثقافة الجديد الذى يعد إضافة حقيقية للبنية التحتية الثقافية لكن الأهم هو البنية الفوقية أى الإنسان والمبدع الذى لا يحتاج إلى قصر أو قاعات بقدر ما يحتاج الرؤية والإدراك الواعى والموهبة الخلاقة ثم الثقافة التى لن يعطيها له أحد.




0 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك بدون تسجيل