الأحد، 29 نوفمبر 2009

التائــــــــــــــــــــه قصة قصيره ....محمود مرعى



تائه، نظر حوله العمارات الشاهقة، السيارات الفارهة، واجهات المحلات الفخمة، أزياء المارة، النظافة غير المألوفة، كل هذا أوصله إلى هذه الحالة.



أسند ظهره إلى عامود الإنارة وحاول استجماع شتات نفسه، ولكنه كلما هم بسؤال أحد المارة عن هذا المكان أو الاستفسار عن كيفية الذهاب إلى العنوان الذى يقصده وقف الكلام فى حلقه وتراجع فى أخر لحظة ،إن الرهبة الشديدة التى استولت عليه أعجزته عن السؤال وكذلك الحوارات التى يسمعها ممن حوله والتى لا يكاد أن يفهمها لولا بعض الكلمات القليلة التى فهمها لظن أن السيارة أنزلته فى إحدى الدول الأجنبية، ووسط هذا التردد هداه تفكيره إلى إخراج روشتة الطبيب والتى مدون بها العنوان وعرضها على أول شخص يراه، وفعلاً ترجم هذه الفكرة على الفور ولكنه عرضها ولم يتحدث عن الغرض من إظهار الروشتة، فكان الرد غير المتوقع بأن أعطاه هذا الشخص بعضاً من المال، أخرسته المفاجأة لحظات وعندما أراد أن يوضح مطلبه قال له هذا يكفى وتركه وانصرف مسرعاً، نظر إلى المال والروشتة فى يده وقرر أن يعدو خلف الرجل ليفهمه ولكنه فقد أثره، اخرج الروشتة مرة أخرى لأحد المارة ولكنه نظر إليه غاضباً وتمتم بعبارات غير مفهومة ومر مسرعاً، تقدم نحو شخص أخر وقال بصوت خافت " عنوان العيادة"، أخرج له الرجل بعض المال وهو يتحدث فى الهاتف وتكررت الأحداث البعض يعطيه النقود، والبعض يتمتم بكلمات غير مفهومه و لم يعيروه أى اهتمام ولم يسمعوه، لينظر فى يده ليجد معه أكثر من مائة جنيه فى أقل من ساعة واحدة.


تملكه الغضب والحزن، ومرت الأيام السابقة أمامه فى لحظات، تذكر كيف انه طرق جميع الأبواب وسلك جميع السبل ليجمع المال للحضور إلى القاهرة وكيف خذله أقرب الأصدقاء وأحرجه أقرب الناس، ولم يجمع إلا القليل، تذكر عمله فى الحقول وكيف يعمل كالثور وكيف يعامله أصحاب الأرض معاملة قاسية ويحملونه أكثر مما يطيق ويتهربون منه فى نهاية اليوم حتى لا يعطونه الملاليم التى يعمل لقائها، وكيف يعود إلى المنزل وهو متهالك غير قادر على النظر فى عيون زوجته وأطفاله لأنه رغم عمله المجهد والمضنى لا يستطيع توفير مطالبهم، تذكر مرض ابنه وكيف أنه أتى ليستفسر عن أجر الطبيب وهل سيستطيع توفيره لعلاج ابنه من مرضه العضال.


ثم تذكر كيف أنزله السائق فى هذا المكان والأحداث التى مرت به،وكيف أن هؤلاء الناس يعطونه المال دون حتى أن ينظروا إليه أو يستبينوا ملامحه، تذكر شدة احتياجه إلى هذه النقود لإنقاذ ابنه وعلاجه عند الطبيب الذى دله أهل الخير عليه، ابنه الوحيد على ثلاث فتيات، ابنه الذى سيكون سنده وعكازه عند الكبر، ابنه الذى يتمنى أن يوفر له حياة كريمة رغدة وأن يدخله المدرسة ليكون طبيباً كما يتمنى.


وفى هذه اللحظة تخلص لسانه من قيده وانطلق من حبسه ليقول لهذا الشخص الذى أوقف سيارته الفارهة بجواره بمنتهى الطلاقة والثقة بالنفس " مريض ياباشا ".






0 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك بدون تسجيل