السبت، 28 نوفمبر 2009

النوبى عبدالراضى يكتب عن شاعر الواو خالد حلمى الطاهر










ارتبط " فن الواو " بشاعـر أسطورى قـيل عنه انه قـضى شطراً من عـمره قاطع طريق يعطى الفـقراء من الأغنياء ، ليعود عن هذه الطريق التى يداهـم فيها الناس الى مداهمة أخرى تحقق لك الدهشة من خلال اختزال اللـفـظ ورحابة المعـنى 0






ومن " ابن عروس " الى " خالد حلمى الطاهر "مسافة زمنية تطول ، لكنها تقصر حين نستجلى ما بين الشاعرين من أواصر فنية ، وحس شعرى مرهف وبديهة لاقطة رفدتها منابع ثرة من المسرح والشعر والأغنية 0






لقد جاء هذا الديوان محققاً النشوة العقلية فى أمساكه بالكلمة المناسبة ووضعها فى موضعها المناسب حتى كأنك ترى أنها وضعت لهذا المكان وخلقت له فى شعـر قريب من الناس ، قريب من قضاياهم ومشاكلهم بلغة الناس التى يفهمونها بعيداً عن الإسفاف والتسطيح بما فيه من العاب لغوية ومعنوية مثيرة ومحـفـزة للعـقـل ، تجذب عامتهم كما أن مثقـفـيهم لا يتجافـون عنها ، لأنه يحتاج فى فهمها الى قوة الملاحظة وسرعة البديهة 0






أنا عــاوز أدى ممــالك


والأيــد قـصيــرة تمـلّى


ضاقت ووسعـت ممالك


والصبــر أقولك تمــلّى






وفى " فن الواو " تكون الصياغة محكمة اشد الأحكام ، وكلما احكم الشاعـر الصياغة أنفسح المعنى حيث تكون الألفاظ فى اقل قماشه ممكنة محكمة على جسم المعنى بعيدة عن الثرثرة والترهل ما يتيح لها الانطلاق فى دلالات متشبعة 0


أرى أن " فن الواو " مناسب جداً لسرعة العصر ، حيث المربع الواحد يستطيع أن يعالج قضية كاملة فى اختزال شديد وسرعة مقبولة منا أبناء هذا العصر 0






قالــوا البنون ولا مـــــال


وميـــــن بـلاهـــم بـيحـى


زكــــريـا يدعـى ولا مـال


بشــارته كانـت "بـيحـى"






جاء عنوان الديوان ( عليك الملام ) مراوغاً كما هو حال " فن الواو " هذا الخطاب الذى يُدخلنا فى فضاءات مختلفة هل مخاطبة الذات من الخارج ومراقبتها أم هو الاشتباك مع الآخر والعالم الخارجى وكل هذا متاح من خلال هذه الصياغة المراوغة :-






عمَّـــال تـقـلَّــب ف وشــك


مجـــاعة حـرب وســـــلام


تمنح وتمنع ف عـرشــــك


يا زمــن عـليك المـــــــلام










لقد جاءت الموضوعات مختلفة متنوعة فى واوات " خالد حلمى "تنوع الحياة التى يعبر عنها 000 غزل – سياسة – نقد اجتماعى – رثاء – حكمة 000 الخ كما لم يفته التعبير عن معطيات الحضارة الحديثة مثل " النت " و " الموبايل "






زمـن الموبايل وكسـنى


ذوًّد ف هـمى وآهـــاتى


طــوالى ماشى عـكسنى


خــلانى قـاعـد آهــــاتى






هذا المشهد الساخر الذى لو قدر لأحد القدماء أن ينظر إليه لظن أن من يمشى مهاتفاً بهذه الكيفية قد أصابه مس الجنون 0






لنا أن نضيق بالحكمة والموعظة الحسنة أن جاءت مباشرة خلواً من الفن لكنها حين تكون مغلفة فى إيقاع ساحر ولفظ آسـر محكمة المعنى فان متعة ترديدنا لها وتبنينا إياها جمالياً وقيمياً سوف تكون كبيرة :-






لا تخــاف مهانة وعصـى


ولا تخشى صـاحب سيادة


شوف يوسف اما عصـى


مـا خـفــش منه سـيــــادة






لقد جاء النقد السياسى لاذعاً وموجعاً حيث يعبر بوعى شديد عن السلبية والإدعاء وتغير القيم :-






بطـلـنـــا شـغـل السـيــاســة


ومسـكـنـــــا للخـلـق سـيـرة


الكــــدب اصـبــح كـيـاســـة


والــــزفة صـبـحـت مسيـرة






اى سخرية واى كلام تخزلة هذه الرباعية :-






عـرّيـنى وفـتـش يومـــاتى


وقـــــولى زيِّى دا مـيــــــن


حـرسانى حتى ف صلاتى


بلـــد المليـــــــــــــون كمين






يستطيع السياسيون أن يحسدوا


" خالد حلمى "على هذا النقد الجارح والواضح للكبت والتضيق وحجر الحريات ، لقد جاءت قيمة الرفض معبره عن الواقع السياسى والاجتماعي الذى نحياه فى هذه الحـقـبة 0






هذه قيمة الفن حين يتوجه الى المجتمع والشعب جامعاً بين رؤيتين مختلفتين فيما أزعم الفن للفن – والفن للمجتمع ، لقد كنا نعانى من ندرة جمهور الشعر لكن فيما يخص " فن الواو " فأن التجربة العملية تثبت غير ذلك هو فن له جمهوره وله جاذبيته 0






يستطيع " خالد حلمى "بهذا الديوان المتميز شكلاً وموضوعاً أن يفسح له مكان اصيلاً وخالداً بتعبيره عن آلام الناس وأشواقهم وآمالهم ، وهذه هى طبيعة الفن ودوره الرائد فى المجتمع0







0 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك بدون تسجيل