ترانيم للخراب.........ايهاب مصطفى العديسى

ترانيم للخراب"
1
تن....تن.....تن
تتفتح الشبابيك ، وتطل منها الرؤوس، وتطلع العيون من شراعات الأبواب، ويرتفع الزعيق الحاد بين الرجال وزوجاتهم
تن.....تن
ترتمي الدومينو، وتخمد الأصوات، وتنعكس العيون عن اتجاه " الفيديو" ويبقي زهر الطاولة متأهبا في يد، وتخفق قلوب الشباب، ويتحسر العجائز علي العمر المهدور.
تن
يتوقف كوب في منتصف المسافة إلي الفم، ويسقط اخرو لا يسمع له صوت ارتطام، يتوقف هاتف علي أذن..الهاتف يردد و الأذن تسمع واللسان لا يتحرك ..يحاول احدهم نقد السائق أجرته..تتوقف اليد ، وتطلع راس السائق ولا تدخل، وبنت حلوه تشتري " اللحمة" الجزار توقف ساطوره عن قطع لحم الفخذ .. الفلاح رفع رأسه فتوقفت في الهواء ، ونسي فاسه وأرضه، وسرو اله " المنتفخ ،تثبت عقارب الساعة، وتخرس الالسنه ويلج الأسماع صوتاً واحداً هو الخلخال
تن.....تن.....تن
2
قيل إن الشيخ " البطل" جاء لأمها في المنام، وانه امسك بصبح وليد، وسلخ منه صبحاً ابيض، وانه امسك بالصبح، وعصره في نقطه بيضاء شاهية شديدة الصفاء والملاسة، وانه اقترب من فم الأم، وسكب النقطة علي مقدمه اللسان ...
وقيل أن البنت لما صار لها عشر سنوات..طلعت فوق الجبل ، ومدت يدها ، وأمسكت بالقمر.
وقيل أن القمر نزل إلي بيتهم.
3
ترتكز على يديها، وتبص في البيوت المرشوشة أسفل الجبل..تملا صدرها بالهواء، وتمط بوذها، وتطلق العواء ..عواءا حزيناً ممطوطا مره،ومره قصيراً متقطعاً..البنت كانت تفتح الشباك المطل علي الجبل ،وتبص علي ألذئبه السوداء الواقفة أمام القمر..الذئبة تسدد بوذها وتطلق العواء، ويتكفل ملك الريح بإيصاله سليما إلي أذن البنت .. قيل قديما أن الأب قال " أزوج ابنتي الحلوة، واكسب من ورائها الفلوس..أعطيها غداً للملك وارجع محملاً.. وان الملائكة
سمعت تفكير الأب، ودست الأب وتفكيره في حلم البنت .. قامت البنت فجرا , ومشت على شاطئ البحر،وفكرت كيف تعبر البحر وليس لديها فلوكه لتروح للجنيه الساكنة خلف البحر, وان البحر سكنت أمواجه لما شاف البنت وقال " يا الله" وانشد وقتها ..
أهيف صغير سن خطر على البحر فجارى
لحظه كما السيف جوه القلب فجاري
له لوزتين حمر يغطى وردهم بالشال
بيكلم الغير ويرد السلام بالشال
عقلي أنذهب وانشال لما الحلو فات جاري
وقال أنا اعمل يداي كفلوكه واصل الجميلة إلى الجنيه .. البنت راحت للجنيه وقالت لها " ياستي .. أبى يريد إن يرميني , والدنيا راح منها الأمان " قالت الجنيه للبنت " بابنتي ستنادين كل يوم للخراب ،وليحذر الناس من يوم تصير فيه الدنيا إلى الاسوا , وليحل الخراب على الناس حين يكثر عدد الشاكين .
4
كانت البنت قد أتمت عبورها بسلام من مدخل النجع , ومرورا بالدروب الملتوبه .. كان الولدان قد أبصراها , وتشاجرا على أيهما أحق بها .. تدخلت العائلتان , وطرقع الشوم , وفتحت راس , وانكسرت اذرع , وفقدت ألسنه , وبترت أصابع , وامتلأت الدفاتر بالمطلقات والمترملات ..
تلك المشاحنات تحصل يوميا بعد كل مرور للبنت , حتى كره النجع مرورها , والذي يعقبه مشاجرة حتمية .
5
تراصت العمائم في صف على " الديوان" , ومتران يفصلان عن صف أخر موازى .. ارتفعت أصوات الهمهمات , ودق الشوم .. الكل يلبس الجلابيب "ألزبده" المزهرة , والعمم البيضاء , والتي تدلت أذنابها خلف الأعناق كذيول الخيل .. وجاء قطب العائلات مرتكزا على شابين أوصلاه إلى صدر الخيمة , وقعد على المرتبة الوحيدة , وتجهز للكلام .. حدقات العيون كلها تركزت على فم القطب ...
البت دي تموت أحسن .
ارتفعت الهمهمات , والحركات المستنكرة , واهتزت الرؤوس غير مؤيده
خلاص ... نجوزها لاى حد .
القرعة أجريت وجاءت على رأس "بغدادي " الأشول"
6
دق قطب العائلات بشومته التي على شكل أفعى على بيت الجميلة , ولما لم يرد احد , كسر الباب , وتدفقت العمائم .. كانت الدار مغسولة , وكل شيء على حاله إلا الجميلة فلم يعثر لها على اثر
7
كل الناس وجهت العيون للسفح , وأرهفت الأذان للعواء القادم وجاء العواء .. بل عواءان ممطوطان مره , ومره قصيران متقطعان .