السبت، 13 يونيو 2009

استراتيجية الخطاب الشعري في 'تأملات طائر'


بقلم: د. أحمد الصغير
1/1
الشاعر محمود مغربي من الشعراء الذين يمثلون جيل الثمانينيات الشعري في مصر، وهو واحد من الشعراء الذين أرسوا دعائم التجريب الشعري في القصيدة الحديثة متمردا علي جيل السبعينيات الذين نسبوا التجديد لأنفسهم، وتجيئ هذه القراءة؛ لتطرح استراتيجية الخطاب الشعري في ديوان تأملات طائر لمحمود مغربي، فمغربي شاعر من أهم شعراء الجنوب لأنه يسكن في أقصي الصعيد (قنا) وهو مغرم بالتأملات والبحث عن كينونة الوجود والعدم، والبحث عن الآخر سواء أكان هذا الآخر إنسانا، حيوانا جمادا.
مغربي يمتلك من خلال مشروعه الشعري المتفجر بالحيوية والانطلاق ظاهرة أراها متجذرة في شعره، وهي البحث عن الذات الضائعة التي تجد نفسها ذوات الآخرين، وقبل الولوج إلى عالم الديوان "تأملات طائر" تحتم علينا المداخل النقدية الحديثة أن نطرح العتبات الأولي في النص الشعري وهي الإهداء، فقد جاء الإهداء مفعما بالحنين والألم والخصوصية الشديدة فيقول:
إلى أبي، أمي
إلى قنا
الإنسان والمكان، الأحبة، هناك
يطرح الإهداء إخلاصا ووفاء ما وحبا ممزوجا بالحنين للأب والأم والموطن قنا تلك الفتاة الجميلة والأحبة الذين يسكنون الشمال. إن الذات الشاعرة تشعر بفقدان هؤلاء الأحبة الذين دهستهم العاصمة (القاهرة) بعجلاتها التي لا ترحم.
وعن علاقة الذات بالآخر التي تمثل الظاهرة الكبري في شعر مغربي، وتعد استراتيجية من استراتيجيات الخطاب الشعري عند محمود مغربي، لأن الآخر هو محور نصوصه، من خلال الحضور القوي فيقول في قصيدة "تاملات طائر":
قديما
قدمت فتنتها
للصبية الصغار
للصوص
لعابر السبيل
واليوم
لا أحد ...
لا أحد ...
بعض ذكرى وصمت طويل!
يوميء المقطع الشعري السابق إلى حضور الآخر من خلال صوت الذات الشاعرة، لأن الآخر يمثل لها الوجه المقابل للحياة، وتحاول أن تطرح المؤامرة التي حدثت للنيل من هذا الآخر سواء أكان (الوطن، الحقيقة، ربة الشعر نفسها...) فبعدما استباحها الآخرون، والعابرون، والصبية، الأقزام، انفض جميعهم عنها ولاذوا بالفرار، لتصبح وحيدة في حياة فارغة، فالذات مشغولة بتأملاتها اللانهائية التي تتماس مع تأملات الصوفية في حضرتهم.
2/2
من التقنيات الأخرى في شعر مغربي تقنية المفارقة فهي استراتيجية مهمة لديه، لأنه ينشغل بتعرية العالم من زيفه وفساده، رغبة في تحقيق الحلم المستحيل فيقول:
الناس في كل مرة
يسرقون الخبز
وأنت هناك تسرق النار
تشعل عتمة
تستعيد الصغار
واحدا
واحدا
كيما تعيد للبستان رقصته!
يتكيء الشاعر محمود مغربي في المقطع السابق علي تقنية المفارقة المشهدية إن جاز القول، لأنه يمنحنا صورة مأساوية لهؤلاء الناس الذين يشعلون الظلام في الحياة، بل إنهم يسرقون الحياة متجسدة في الخبز، فتقوم الذات بدورها؛ لتضيء هذه العتمة، لكي يصبح لها دور فاعل في تشكيل العقول الجديدة، هذا التشكيل هو حلم الذات الشاعرة البسيط.
ومن الملاحظ في شعر مغربي اهتمامه بالقضايا الكبري والعروبة وإحياء المشروع القومي العربي، فيقول في قصيدة بعنوان "إلى حبيبتي بغداد":
يا حبيبتي ...
بندقيتي معطلة
لذا...
لا تندهش
عندما أفتح أبوابي للصوص
وأنحني إجلالا!
يا حبيبتي ..
إرثك العظيم
لا أغار عليه!
هل تسمعين؟
لن أغار على شيء مطلقا
هل تفهمين؟!
تتجلي في المقطع السابق صورة بغداد الحبيبة مسلوبة الإرادة، التي تنادي أبناء العروبة، فلا مجيب، ومن الجلي أن الشاعر يستخدم السخرية الشديدة من أصحاب السلطة الذين تركوا بغداد للأعداء، لأن السلاح العربي معطل عنين لم يعد كما كان.
3/3
وتعد الإبيجراما الشعرية ظاهرة من الظواهر المهمة في شعر محمود مغربي، وهي كل قصيدة قصيرة مختتمة بنكتة أو مدح أو ذم، هجاء ولا يخلو كل هذا من المفارقة، وهي من الظواهر الشعرية التي عنيت بها الآداب الأوروبية واليونانية القديمة والحديثة.
وتضمن ديوان "تاملات طائر" مجموعة من الإبيجرامات الشعرية شديدة التكثيف فيقول في إبيجراما بعنوان "احتياج":
أحتاج إلى امرأة
تسرق شهوتي
أحتاج
إلى سرب من الصبايا
ليضربن عتمتي!
إن الفراغ الذي تشعر به الذات الشاعرة هو التبئير المركزي الذي تصدره الذات في المشهد؛ لأن الذات تحاول أن تجد حلا ما لهذا الفراغ /الظلام حتي تستطيع الخروج من حالة الفراغ، لأن الشهوة هي بمثابة الظلام الذي يحتاج إلي بصيص من نور، يكمن في تلك المرأة الفاتنة.
ومن ثم فإن الشاعر محمود مغربي من الشعراء المصريين المخلصين لتجربتهم الشعرية، ناسجا خيوط العشق الجنوبي في تميمة المحبة، فهنيئا له وهنيئا لنا.

2 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:

Unknown يقول...

اولاً انا سعيد جداً جداً بهذه المدونة
امها رائعة ومعبرة ليس فقط
عن أدباء الأقصر بل عن الأدباء فى الجنوب
باعتبار أن الأقصر جزءاً لا يتجزأ من الجنوب
ثانياً
احسست الروح الجميلة فى الأقصر عندما حضرت بمحض الصدفة أحدي الليالي فى باحة أبي الحجاج الأقصري
مع الشاعر أشرف فراج
وقد قدمني الشاعر وألقيت قصائدي
وكانت ليلة جميلة
ثالثاً
أشد على يديك بخصوص المجهود الإلكتروني الذي تبذله فى خدمة الأدب فى الجنوب والأدب عموماً
رابعاً والأهم
فى زحمة مدوناتك الثلاث
أين أنت
بإبداعك وخصوصيتك
أرجو ان تنشيء مدونة أخري
عنك أنت
تحياتي
فتحي حمدالله
نقادة

محمد عبد اللطيف الصغير يقول...

اخى العزيز ابو امل
انا سعادتى تكمن فى نشر ابداعات اصدقائى واستاذتى واعتبر نفسى اقل منهم بكثير ولذلك على اظهارهم بقدر الامكان حتى يتمكن الجميع من الاستمتاع باابدعاتهم
والحمد لله نحن فى الاقصر نعيش اذهى عصور الادب فى تاريخ المدينه بفضل القائمين على المنظومه الادبيه
سعدت بتعليقك والى لقاء

محمد عبداللطيف الصغير

إرسال تعليق

اكتب تعليقك بدون تسجيل