السبت، 28 مايو 2011

النوبى عبد الراضى يكتب : تاريخ السرقات الادبية

موضوع السرقات في الشعر قديم قدم الشعر نفسه، وقد تحدث فيه كثير من النقاد القدامى، ومنهم ابن رشيق القيرواني في كتابيه:العمدة، و قراضة الذهب في نقد أشعار العرب، وعيار الشعر لابن طباطبا العلوي، والوساطة للقاضي الجرجاني، و الصناعتين لأبي هلال العسكري ... وغيرهم. وإذا كان الجاحظ يرى أن المعاني "مطروحة في الطريق يعرفها، العجمي، والعربي والبدوي، والقروي " (1)، فإن من النقاد من يرى أن سرقة المعاني من الجرائم الأدبية، فيقول ابن رشيق القيرواني في كتابه "قراضة الذهب ": والمعاني التي يقال أنها اختراعات، وأخذها سرقات، إنما هي المقاصد، و ترتيباتها، والطرق إليها هي التي يسمى أخذها سرقة لا محالة " .(2) والصياغات اللفظية من أشد خصوصيات المبدع، فمن الشعراء من يأتي على تعبير أو مقطع أو حيلة فنية كد شاعر آخر فيها ذهنه، وأتعب فيها جنانه، وراح يستنزفها بطريقة ملبسة، مثل من يشوه ضحيته لتضيع ملامحها، " والشاعر يورد لفظا لمعنى يفتح به لصاحبه معنى سواه، لولاه هو لم ينفتح " . (3) ففي قصيدة للشاعر بهاء جاهين بعنوان "قصائد " نشرت في جريدة أخبار الأدب العدد الصادر في 23من مايو 2004وردت تعبيرات وألفاظ استدعت الحديث عن السرقات الأدبية، ففيها" الفاتحة على روح الفرات "، وقد استدعت هذه العبارة فورا عنوان ديوان الشاعر رمضان عبد العليم " الفاتحة للنيل "والصادر عن دار سيشات وفيه قصيدة بنفس عنوان الديوان وفي نفس الديوان قصيدة أخرى بعنوان "عطش الفرات " ... ونستمر في القراءة لنكتشف ما هو أكثر ففي نفس القصيدة المنشورة في أخبار الأدب في العدد المذكور سالفا نقرأ:
بسيطة
امسح شجاك من ع الخريطة
بصاروخ موجه للقلوب العبيطة
بسيطة جدا
كل الأماني على امتداد البسيطة
إلا بسر التكنولوجيا الغويطة (4).
وفي قصيدة رمضان عبد العليم "السلام على الانفجار " المنشورة في مجلة الثقافة الجديدة العدد165 فبراير ومارس 2004نقرأ:
لم تجرؤ إلا دماه
غطت الرفض واعتراضاتي العبيطة
السلام على المنفجر
في قلب الدبابير الحويطة
في وجه التعابير السليطة
عبد الله ماسك في ديل التاريخ راكب كتاف الخريطة
....


ينده الدولة من تحت الرمال الغويطة
السلام على الشهيد
وعلى كل أحلامي البسيطة
السلام على كل البسيطة
في جينين عن اسم عرفناه بالكاد فلسطين وعن كل أحزاني المحيطة (5)0
وفي موضع آخر يقول بهاء جاهين:
"وصوت ينهنه ع التاريخ اللي آه / على ضهري شايله زى عيل تاه
وفي قصيدة رمضان عبد العليم السلام على الانفجار:
ماسك في ديل التاريخ / راكب كتاف الخريطة
ولا يخفى عن القارئ ما بين النصين من التشابه، واستخدام نفس ألفاظ القافية تقريبا
وأيضا محاولة إخفاء الأخذ ونقل المعنى 0
وإذا جاز لنا أن نقر بأحقية اللاحق من الأدباء في أخذ معاني سابقيه، فإن ذلك يستتبع إخراج المعنى المأخوذ في كسوة لفظية جديدة (6)، كما جاء في مقدمة الدكتور عبد الحكيم راضى لكتاب: " الوشي المرقوم في حل المنظوم " لابن الأثير، مع ملاحظة أن هذا جائز من اللاحق للسابق، مع الاحتفاظ للسابق بفضل السبق، فإذا جاء من متعاصرين فإننا نسميه شيئا آخر 0
ومن الواضح من تاريخي نشر القصيدتين أسبقية نشر قصيدة الشاعر رمضان عبد العليم عن قصيدة الشاعر بهاء جاهين مع العلم بأن بهاء جاهين أحد محرري الثقافة الجديدة .






هوامش:


1_ الحيوان للجاحظ 3/131طبعة الذخائر الهيئة العامة لقصور الثقافة0
2_ قراضة الذهب في نقد أشعار العرب 53 ابن رشيق القيرواني دار الفكر اللبناني
3_ السابق 41
4_ الفاتحة للنيل شعر رمضان عبدا لعليم - دار سيشات 1996
5_ أخبار الأدب العدد الصادر بتاريخ 23من مايو 2004
6_ الوشي المرقوم في حل المنظوم لابن الأثير-سلسلة الذخائر هيئة قصور الثقافة

0 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك بدون تسجيل