الأربعاء، 21 أبريل 2010

مأمون الحجاجى فى حوار شامل مع اديب مصر الكبير بهاء طاهر

» الأقصر تشدنى وأشدها.. لم أولد فيها لكنى عرفتها بعمق من والدتى التى حملت الكرنك معها للقاهرة 
»كتابة أكل العيش خيانة للمبدأ ونشرها ترسيخ لمبدأ الخيانة 

الاربعاء الماضى 31 مارس سيظل يوما استثنائيا.. فقد عشت ومعى كثيرون من محبى الاديب الكبير بهاء طاهر أدباء ومثقفى الأقصر بسبب الخبر الذى نشر فى الصفحة الأخيرة بجريدة الأهرام حيث كتب اسم أديبنا الكبير صاحب خالتى صفيه والدير مقرونا بلقب (المرحوم).. مما أثار حزننا جميعا، وبعضنا وأنا منهم لم نصدق الخبر لكننا قلقنا كثيرا على صحته، واتصلت على تليفونه المحمول غير مصدق فأجابنى أديبنا الكبير متعه الله بالصحة والعافية، قائلا إنه فوجئ مثلى بالخبر رغم أن صحته بخير ويشارك فى فعاليات المؤتمر الدولى الأول للترجمة المقام بالمركز القومى للترجمة. وقلت له لقد كان هذا الخطأ الطباعى كارثة بكل المقاييس، فقد اتصل بى عدد كبير من الأدباء والمثقفبن ومحبى الاديب الكبير للسؤال عن حقيقة الخبر، ونقلت إليه حالتنا فى الاقصر، فقال لى إنه منذ نشر الخبر وتليفونه المحمول، وتليفون منزله لم يكفا عن الرنين، وطمأننى أنه بخير، وطلب منى أن أبلغ تلك الرسالة لمحبيه من أدباء الأقصر.. متمنيا أنه كان يتمنى لو بامكانه أن يقوم بنفسه بذلك، فقلت له يا خال أعرف أنك تقاطع قراءة الصحف، وماذا بعدما نشر؟ فضحك ـ لاحرمنا الله منه ـ فقلت ربما تزداد مقاطعة فضحك مرة أخرى موافقا.. قائلا اضطررت لقراءة خبر رحيلي!!
وهنا استأذنت أديبنا الكبير بهاء طاهر أن يسمح لى بأن أخص جريدة العربى بنشر حوار كان قد دار بيننا فى لقاء حميمى فى الأقصر، أثناء حضور أديبنا الكبير لمهرجان طيبة، وكان ودودا كعادته وسمح لى بذلك..
بهاء طاهر مؤلف روائى وقاصّ ومترجم مصرى ينتمى إلى جيل الستينيات، ولد بهاء طاهر فى محافظة الجيزة فى 13 يناير سنة 1935. لأسرة تنتمى إلى قرية الكرنك بالأقصر, حصل على ليسانس الآداب فى التاريخ عام 1956 من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا فى الإعلام شعبة إذاعة وتلفزيون سنة 1973. ثم عمل مترجماً فى الهيئة العامة للاستعلامات بين عامى 1956 و1957، ثم لينطلق منها إلى العمل بالإذاعة المصرية، فعمل مخرجاً للدراما، ومذيعاً فى البرنامج الثانى (الثقافي) الذى كان من مؤسسيه حتى عام 1975، بعدها تعرض لمضايقات أمنية وصلت إلى حد منعه من الكتابة. فكان ذلك سببا فى تركه لمصر وسافر وعاش فى سويسرا وعمل مترجما بالأمم المتحدة، ثم عاد لمصر فى 1995.
من أعماله الإبداعية:
الخطوبة (مجموعة قصصية) صدرت عام 1972، بالأمس حلمت بك (مجموعة قصصية) 1984، أنا الملك جئت، شرق النخيل (رواية) 1985، قالت ضحى (رواية) 1985، خالتى صفية والدير (رواية تم تحويلها إلى مسلسل تليفزيوني). الحب فى المنفى (رواية) 1995، نقطة النور (رواية)، واحة الغروب (رواية). ومن أحدث أعماله «لم أكن اعرف أن الطواويس تطير» (مجموعة قصصية).
إضافة إلى عشر مسرحيات مصرية - عرض ونقد، وكتاب أبناء رفاعة - الثقافة والحرية
إضافة للعديد من الترجمات منها رواية ساحر الصحراء لباولو كويلهو.
حصل أديبنا الكبير بهاء طاهر على جائزة الدولة التقديرية قى الآداب سنة 1998، كما حصل على جائزة جوزيبى أكيربى الإيطالية سنة 2000 عن خالتى صفية والدير، و جائزة (بوكر) الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2008عن روايته واحة الغروب.
والآن دعونى قراءنا الأعزاء أصف لتعريف أديبنا الكبير بهاء طاهر، تعريفا أو وصفا آخر كما نراه نحن أدباء ومثقفى الأقصر، فهو بالنسبة لنا الخال بهاء هكذا نناديه نحن.. أحب الأقصر وتبرع بأرضه لبناء قصر ثقافة فأحببناه كثيرا، وبادلناه الحب حبا أكبر..
نراه عندما يبتسم تنتقل السعادة من عينيه لنا جميعا.. حتى تبدو الدنيا وكأنها بلا كوارث ولا فقر، وإن تحدث فإنها الحكمة التى لا تدركها إلا إذا كنت مع مبدع حقيقى كبير مثل خالنا بهاء طاهر، الذى تشعر أنه يعرفك جيدا، ويفهم ما تقصده، ويغوص ببساطة بداخلك، ويجيبك على ما تتحرج من أن تسأله فيه ببساطة متناهية، فهو يملك ود صديق وفهم المعلم الكبير، إن الخال بهاء طاهر نموذج لحزم الشيخ مع مريديه فهو دائما الذى يدفع ثمن الطعام والشاى بالمقهي..
إن تجربة مرافقة مبدع كبير كبهاء طاهر أتاحت الفرصة لى للقرب منه وللتعرف والمقاربة لإنسانيته الرجل قبل إبداعه لان إبداعه أشهر من أن يعرف..
فبهاء طاهر الإنسان كلما هاتفته للاطمئنان عليه يوصينى بأديب أقصري، واتضح لى بعد ذلك أنه لايخصنى فقط بالوصية إنما يوصى كل من يتصل به من أدباء الأقصر، ربما بمبدع آخر ويوصى بي، عند أحد أدباء الأقصر، فهو يوصينا ببعضنا، يحبنا جميعا بشكل لا يمكن وصفه ونحن نحبه ونوصيه بنفسه، نوصيه أن يعتنى بصحته، ونقول له، نحن نحتاجك ياخال..
فى الأقصر كان هذا الحوار، أثناء الاحتفال بمهرجان طيبة، وقتها اكتشفنا أن الخال قرأ جميع أبحاث المهرجان، قبل الحضور للأقصر بعدة أيام، وقبل أن تبدأ فعاليات المهرجان، وجدناه يناقشنا فيها بعمق شديد، وهى عادة للأسف لم نعد نألفها فى المشاركين فى مثل تلك المهرجانات، بل الأغرب أن الخال بهاء كان يحضر كل الجلسات البحثية، ويقوم بعمل المداخلات مع الباحثين، لكنه فى إحدى الجلسات خرج قبل أن تنتهي، وكان أمرا مستغربا، ولأنى كنت حريصا على تتبعه دون مضايقته بالطبع، فطلبت منه مرافقته للمقهى لتناول القهوة، وأنا يقتلنى الفضول لمعرفة سبب خروجه مبكرا، من الجلسة البحثية قبل انتهائها، على غير عادته، ولم يمر وقت قصير على جلوسه على مقعد بالمقهي، حتى باغتنى هو بسؤاله: تريد أن تعرف سبب خروجى المبكر من الجلسة البحثية؟
{ ظهر الارتباك على وجهى وحاولت أن أبدو متماسكا أمام رجل يقرأ داخلك وأجبته: نعم لو أذنت لي، فابتسم كعادته وبدأنا هذا الحوار الذى لم يكن فى ذهنى أن أنشره لولا الخبر التعيس الذى قلقنا على أديبنا الكبير الذى أذن لى بنشره..
}} قال: الباحث قدم بحثا رائعا لكنه تعجل فى كتابته، وكان بإمكانه بقليل من الجهد، أن يصل لنتائج رائعة، وهذه نقطة اختلافى معه، فى كثير من أبحاثه التى يصر على أن ترى النور قبل اكتمالها، وكأنه اتخذ البحث العلمى مهنة يرتزق منها، وهذه الآفة يجب أن تختفي، لأنها تعد خيانة للبحث وستكون النتائج تلفيقه.. الباحث المبدع فى مجاله، ليهتم بنشر أبحاثه، لان الجودة ستقوم بتسويق الأبحاث وتزكيتها، وسيكون العائد إبداعيا وماليا أعظم مما يتخيل الباحث، وعلى المنوط بهم نشر الأبحاث، أن تسود لديهم معايير مغايرة، غير السائدة لضمان أن يأخذ الحقيقى ما استلبه الملفق من حظوظ، وهذا يمنع أن يتم ترسيخ مبدأ الخيانة للبحث العلمي.. فكتابة أكل العيش خيانة للمبدأ ونشرها ترسيخ لمبدأ الخيانة.
{ كيف تجد الوقت الذى يمنحك الفرصة لمطالعة الأبحاث ولقراءاتك المتعددة وأيضا للكتابة؟
}} وقتى أستثمره فى عمل كل هذه الأشياء، وعمل أشياء أخرى لا تقل أهمية عما ذكرت، ومن يرد النجاح عليه ألا يضيع وقتا، ليصل إلى ما يريد، على الإنسان بشكل عام أن يضع هدفا أمام عينيه ويسعى للوصول إليه.
{ عن علاقته بالأقصر التى يحبها، ويعرف كل شيء عن أهلها رغم أنه لم يولد بها!
}} رد بعد أن أخذ نفسا عميقا قائلا: الأقصر.. أنا وهى يربطنا دائما حديث والدتي، التى لم تغير لهجتها الصعيدية رغم سنوات الغربة فى القاهرة، فكانت تحكى لى كثيرا، عن الناس والأماكن بحب شديد، وكأنها لم تغب عن الكرنك وناسه يوما واحدا، فحضور الأقصر بتفاصيلها من عادات ومناسبات وطقوس وبدون مبالغة أتعامل وكأنها حدثت أمامى وكأننى مارستها، من كثرة ودقة وصف أمى لها.
{ هل يمكننى أن انقل امتنان ناس الأقصر لك لتبرعك بأرضك لبناء قصر ثقافة وتبرعك أيضا بجزء كبير من جائزة البوكر لعمل مسابقة أدبية؟
}} قال مبتسما.. مفردة التبرع فى هذا المقام لاتجوز، لان الاقصر قيمة ولناسها مقام عظيم لدى التبرع يكون ممن يملك لمن لايملك، وهذا لم يحدث وكل ما فى الامر أننى أهديت لاهلى وناسى فحسب، وهذا مقبول لاننى أرى أن نحلم بأن يكون هناك بغد قريب قصر للثقافة مغاير، وبافتتاحه سيكون له بعد تنوري، ويساهم فى ابراز المواهب الفنية وبخاصة لابناء البسطاء بالاقصر، وهذا واجبى لا أنتظر الشكر عليه، وكنت أتمنى ألا يعرف أحد بذلك لكن الخبر انتشر..
{ هنا اعترضت على رغبة الخال لأن ما فعله يعد نموذجا نتمنى أن يقلده بقية كبار مبدعينا فى شتى المجالات لاقاليمهم!
}} فاكتفى بالابتسام، ودونما تعليق، وأدار دفة الحديث لزاوية آخري..
{ يعرف المقربون منك أنك تقاطع قراءة الجرائد هذه هى النتيجة فماذا عن الأسباب؟
}} كل ما فى الأمر أننى ضد الاختلاق والتلفيق، فبعض الصحف مبتزة تبتز المبدع والمتلقى معا فهى حين تنشر خبرا كاذبا، أو تختلق واقعة لم تحدث، فهذا يعد نوعا من الابتزاز بلاشك، وحين تتملق القاريء بنشر الاخبار عن الفضائح، أو السطو على الحياة الخاصة للناس، من اجل زيادة التوزيع، أو سعيا لتحقيق السبق الصحفى بأى ثمن فهى بذلك تخدع القاريء.
{ الحكم القضائى هو عنوان الحقيقة، وانت لم يصل لمسامعنا عنك اختلافك مع كاتب أو ناشر؟
}} أنا لم أنافس أحدا على غنيمة أو منصب، ربما لأننى اجتهد فيما أعمل، ولا أعرف أن هناك ما يستحق هذا التنافس والصراع، ربما لاننى لست من هواة الضجيج، فكيف يكون لديك مشروع، وتتركه لتبدد طاقات فى محاولات مستميته للحاق بممارسة غريزة التشفى عند الانتصار، من يجرنا لهذا مسكين، يعانى من فقد قدرته على التعبير من خلال الابداع، ويبحث عن آلية يمكنه أن يثبت تواجده من خلالها.
{ يذكر الكثيرون من الادباء أنك وقفت الى جوارهم، فى بدايتهم ومازلت تمارس هذه المهمة حتى الان مع الشباب، ولكن الا ترى أن هذا الدور تراجع بالنسبة لبقية كبار الادباء تجاه جيل الشباب؟
}} ليكن لدينا يقين، أننا ننتصر للادب قبل كل شيء، حينما نساعد كاتباً أو مبدعاً موهوباً، لهذا فهناك ضرورة بأن نساند الموهوبين، ليجد الفذ منهم طريقه للعرض، هو فى الواقع انتصار لذواتنا أولا، قبل مرحلة البحث عن دور يناسب رؤيتنا، وأرى أن يجتهد الجميع من كبار الادباء والجدد أيضا، وأن يلعب الجميع أدوارهم بصدق يوازى نبل ما ننادى به.
{ هل لديك نصيحة موجزة للأدباء الناشئين؟
}} النصيحة الأهم هى دعوا إبداعاتكم تتحدث عنكم، لا أن تتحدثوا أنتم عنها.
{ مارأيك فى المقولة النقدية التى تقول إننا نعيش الآن زمن الرواية؟
}} إن انحسار وانزواء بعض الفنون وسطوع البعض الآخر يعد امرا غير مجد، ولن يصب فى مصلحة ثقافتنا لان الفنون ترقى بتوهجها جميعا، ولذا يزعجنى خفوت الشعر حتى وإن صاحب ذلك ذيوع الرواية وتوهجها، وليكن الحوار حول الابداع هو القضية الاساسية، دون الالتفات لما لا طائل ولاجدوى منه، وحتى لا يتفرغ المبدعون الشعراء لمحاولة الانتصار، لرأيهم لتنصيب الشعر، ويقدم الروائيون حججهم التى تنتصر للرواية، ولعلنا ننشد زمنا يتسع سقفه للابداع بكافة أنواعه وأشكاله، وحرية الرأى لاننا سنظل نردد مقولة أن الفن وربما الفكر ايضا ليس فيه ادعاء، بوجود الرأى أو الشكل النهائى أو الاخير سوى أن الحقوق متساوية فى الطرح دون تعصب.
{ رواية (نقطة النور) فى تصورى تتحدث عن أشخاص بعينهم وأمكنة محددة، فهل صحيح هذا التصور؟
}} لا.. لا.. هذا تصور غير صحيح (نقطة النور) خلق ابداعى لايحاكى غيره، تستمد الرواية من الخيال، الذى قد يتماس عند عرضه مع الذين مرت بهم أحداث مثلها، فلكل منا نقطة نوره، التى قد تتوحد أو تتلاقى وكأنها فى اختلاف لكنها تتجمع فى رحلتها كأنهار صغيرة تسير نحو المصب، الذى يكون بدوره التجربة الانسانية للحياة..
{ فى تلك اللحظة قطع الحوار بيننا رنين الهاتف المحمول للخال، الذى كان يرد بود على كل من يتصل به، ولكن هذه المرة بدا الخال منزعجا بشدة فقد أخبرته ابنته عن حصار لبعض المصريين المقيمين بالجزائر، وتعرض بعض الشركات والمكاتب التجارية لاعمال عنف من متطرفين جراء مبارة كرة القدم بين مصر والجزائر حاولت ومعى الشاعر أحمد فؤاد الجويلى تهدئة الخال، وسألته: من المسئول عما حدث؟
}} أحمل بعض الفضائيات مسئولية ما يحدث، فقد تعاملت مع المباراة كحرب، وأشعلت نار الفتنة بين الشعبين، حتى وصل الامر للمطالبة بقطع العلاقات بين البلدين، مما جعل الاعلام الاسرائيلى يصطاد فى الماء العكر، ويصورنا للعالم كهمج، لا نستطيع إدارة حياتنا ولا حتى مجرد إدارة مباراة لكرة القدم. هناك ضحايا لهذا العرض الموتور، من جانب مقدمى البرامج الرياضية، الذين تخلوا عن الروح الرياضية، التى تبث ثقافة تقبل الخسارة أو الفوز، ومحاولة التعويض، وعند الفوز يجب أن يكون الاحتفال بالفرح المتزن، ومراعاة مشاعر المنافس، وبخاصة ان الامر تعلق بشعوب، لها من التاريخ المشترك ما نفتخر به، ومن الحاضر ما نأمل أن يتواصل تقدمه.
{ فى شوارع الاقصر يستوقفنا انا والجويلى الخال للسؤال عن شخص ما، أو مكان ما أو عن واقعة معينة حدثت منذ سنوات، كان الخال يصافح الجميع بحميمية وود، ولا يرفض دعوة أحد لالتقاط الصور معه، والتسجيل مع القنوات التليفزيونية المحلية محدودة المشاهدة، بنفس الجدية التى يتعامل مع القنوات ذات الشهرة أو المتخصصة..
هذا هو بهاء طاهر الذى نعرفه نحن أدباء الأقصر ربما أكثر كثيرا مما يعرفه أدباء القاهرة، ودعونى فى ختام حوار الود، أستغل هذه المناسبة لتقدم باقة ورد للإنسان الرائع مبدعنا الكبير والجميل الخال بهاء طاهر متعه الله بالصحة والعمر المديد


رابط الحوار من موقع جريدة العربى الناصرى 
http://al-araby.com/docs/11202/culture/article2142184369.html

0 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك بدون تسجيل