حجاج أدول الكاتب المصرى الذى نعرفه ليس خائناً لوطنه، ولكنه دخل نفقاً مظلماً كئيباً،ونحن إذ نواصل فتح هذا الملف نستشف أخطاراً قد تقبل وتعصف بمستقبل هذا الوطن، فحجاج حينما تحدث باسم النوبيين فى مؤتمر الأقليات المشبوه فى واشنطن، ربما لم يكن يعرف أن النوبيين أنفسهم يرفضون ما جاء فى بيانه، ولعله الآن يعرف أنه يمشى فى طريق والنوبة المصرية تمشى بأهلها تمشى فى طريق آخر. النوبة التى أخرجت حكمة لقمان الحكيم، والتى اتخذت من لغتها سلاح المخابرات الحربية المصرية، شفرة المعارك فى حرب 73، والتى خرج منها جنود مصر البواسل ككتائب فى الجيش المصرى فى كل العصور، والتى خرج من فنها وأدبها وموسيقاها حمزة علاء الدين، ومحمد منير ومختار جمعة وإدريس على، ومحيى الدين الشريف وحسن نور وأحمد منيب، وحجاج أدول - رغم الهوة السحيقة التى يصر على أن يقف فوق شفيرها - هذه النوبة خرج منها الآلاف مضحين بالمنازل والمزارع و الذكريات، وقبور الأسلاف لأجل وطنهم الأكبر مصر. وكان هذا النزوح المنظم وغير المسبوق لأكثر من 16500 أسرة، هو من المشاريع الكبيرة التى لا تقل ضخامة عن بناء السد العالى،ولكن هذا النزوح مثله مثل أى إنجاز كبير، كانت عليه بعض السلبيات التى اتخذ منها أدول سبباً، فى تحقيق شهرة زائفة على حساب وطن حارب هو من أجله فى يوم من الأيام. نعرض هنا لأصوات نوبية فى الأقصر ترفض ما جاء على لسان أدول كما يكشفون لنا عن محاولة اختراق أجنبية حدثت فى النوبة المصرية، حدثت فى الثمانينيات إلا أن جهود الأمن القومى المصرى ويقظة أصحاب القلوب العامرة بحب مصر، من أبناء النوبة هى التى أفشلت هذه الاختراقات. فى البداية يعرض حسين شحات بركات أحد شيوخ النوبيين فى الأقصر قصة التهجير بما فيها من سلبيات و إيجابيات فيقول.. بدأ التهجير فى دابود عام 1963 ثم من بعدها سائر القرى 49 قرية ومن كان يقيم إقامة كاملة فى منطقة النوبة قبل التهجير أعطته الدولة بيتاً فى مقابل بيت ,وأرضاً فى مقابل أرض، كما أعطت أيضاً منازل للمغتربين الذين يثبتون أن لهم منزلاً حقيقياً فى قرى النوبة حتى ولو لم يسكنه أحد. أما التعويضات فقد كانت الدولة تعطى نصف التعويضات لمن لم يأخذ بيتاً.. على أنها تمنحه بيتاً بعد ذلك فى مراحل مقبلة وعلى هذا الأساس تم بناء البيوت، حتى نظام التسكين نفسه كان يخضع لمراحل جغرافية ويبدأ مع المهجرين أولا بأول. ونحن الآن فى انتظار تسكين المرحلة الثانية - أى النوبيين الذين يسكنون فى محافظة قنا- وقد قمت باتخاذ الإجراءات المعروفة، وقدمت أوراقاً تثبت أننى خرجت على المعاش، وأريد العودة والإقامة مع أقاربى فى دابود، وقد تم بناء 550 بيتاً فى هذه المرحلة، وأنا فى انتظار بيتى الذى يحمل فى الكشوف رقم 582 وقد بدأوا فعلا فى البناء. ويستعرض حسين شحات بعض الحقائق فيقول.. التعويضات فى الحقيقة كانت ضئيلة،ولكن للأمانة فبيوت النوبة الجديدة ليست كلها سيئة، فمثلاً البيوت فى دابود وكلابشة وأمير كاب جيدة، لأن الأرض التى أقيمت عليها جيدة، وقد ارتفعت فيها بعض المنازل لثلاثة أدوار،ولكن هناك مدن أقيمت على أرض غير صالحة للبناء، كما أن بعض مشاكل البناء تعود إلى ضمائر المقاولين الفاسدين مثل بيوت ناصر وتوشكى، فهى من دور واحد ومع ذلك تتشقق جدرانها وتنهار. ويستطرد الشيخ النوبى: ولكن هذه المشاكل ليست من النوع الذى يطرح دولياً فأنا عندما يكون عندى مشكلة أشكو لأخى ثم لابن عمى ولا أذهب أبداً للغريب، واقول لأدول : عيب.. فنحن مثلنا مثل أى مواطنين مصريين فكما توجد السلبيات توجد إيجابيات فى التهجير، أيضاً مثل فرص التعليم والمدارس والجامعات والوظائف والمستشفيات، وكان على أدول أن يعرض ما يراه من مشكلات على النوبيين، وعلى المصريين جميعاً هنا فى مصر وليس فى أمريكا، ثم أين هو الاضطهاد الذى يتحدث عنه؟ أنا كموظف سابق أخذت درجاتى الوظيفية كاملة، بل كنت آخذ حوافز أكثر من أى زميل آخر لأنى أكثر إنتاجاً. ويتكئ الحاج حسين للخلف قليلاً وينظر للسماء ثم يقول : فى الثمانينيات أعطتنا الدولة أماكن فى منطقة كركر،وسافرنا وذبحنا الذبائح وزرعنا هناك الطماطم، ولكن انحسار منسوب المياه بعد ذلك دفعنا لليأس فأحضرنا الطلمبات وحاولنا الاستمرار إلا أن انحسار منسوب المياه أعادنا مرة أخرى إلى هنا، ولو استمر منسوب المياه مرتفعا كنا ظللنا هناك. ضحينا بالأرض لأجل الوطن ويدخل معنا فى الحوار الشاعر أحمد حسين شحات وهو ابن الحاج حسين فيقول : ومنذ متى كان التنوع الثقافى داخل الوطن الواحد من عوامل الانحطاط،بل العكس هو الصحيح وخاصة فى مصر التى انصهرت فى بوتقتها الثقافات والحضارات القديمة. وقبل أن يعقب أحمد على بيان حجاج أدول يقول: المسألة ببساطة أن الإنسان يدفع حياتة مقابل أرضه، وأهل النوبة دفعوا الأرض نفسها مقابل وطنهم الأكبر،نحن نعطى لمصر ونخلص لها بكل ما فينا من روح. ويتساءل أحمد حسين شحات عن هذه الدولة أو الهيئة أو الأفراد الذين أعطوا لحجاج أدول هذا التفويض ليتحدث باسم شعب مصر، ولا أقول الشعب النوبى لأنه ليس هناك شعب نوبى وشعب مصريا إنما هى مصر واحدة. وفى تناص معنوى يعقد أحمد مقارنة بين شخصيات رواية أدول وبين أدول نفسه فيقول : دعنا نحدثه بصوت ضميره ونقول له من أنت فى أشخاص رواية الكشر، هل أنت آر، كبو؟ أم أنت سما؟ أم أنت أشاتى؟ وإن كنت أحد هؤلاء، فأنت قد سقطت فى دائرة الحلم المظلم،ونحن نمد أيادينا إليك لتعود ابنا من أبناء هذا الوطن. وحول قصية التطهير العرقى التى يدعيها أدول يقول : إن هذا المصطلح خطير جدا،وهذا الكلام ليس له وجود فى مصر، ولم يتعرض النوبيون فى يوم من الأيام لحملة تطهير عرقى،بل إن أبناء مصر من النوبة يتمتعون بكامل حقوق المواطنة وبكامل الحقوق السياسية، إلا إذا كان أدول يعرف أكثر منا أن هناك قراراً سياسيا أو نصا دستوريا، ينص على استبعاد النوبيين من الوظائف والمناصب الكبيرة فى الدولة، وإن كانت لدى حجاج أدول وساوس من هذا النوع، فما يردعها هو أن الكثير من المناصب العليا فى مصر يشغلها نوبيون، ونستطيع أن نقدم له كشفا بالآلاف من أبناء مصر النوبيين الذين يشغلون أرقى الوظائف. أما عرفات حسين فيؤكد أن هموم النوبيين هى نفسها هموم كل المصريين بل نتحدث أن يثبت لنا حجاج أدول ما تحدث به عن العنصرية والاضطهاد. ويضرب عرفات مثلا لاحترام الدولة لمواطنيها من النوبيين فيقول: نحن لنا عادات وتقاليد ويوم أن قررت الدولة تهجيرنا أعطتنا منازل بديلة، وتم بناء البيوت والأحواش على نفس نمط القرية النوبية القديمة،أى أننا انتقلنا بتراثنا الإنسانى والمعمارى من مكان إلى آخر،ثم أن الحديث عن التفرقة العنصرية لا ينطبق علينا، فأنا أخذت فرصتى فى العمل كمدير مبيعات فى أحد الفنادق، مثلى مثل أى زميل آخر من خريجى كليات السياحة والفنادق، بل كنت مفضلا عن غيرى لدى جهة العمل. ثم يتساءل عرفات قائلا : كيف يصدر مثل هذا الكلام من شخص ينتمى لجلدتنا،إن هذا موقف شخص منتفع يجيد الأكل على كل الموائد،وإلا لما ذهب إلى مثل هذه المؤتمرات،ثم لماذا يستعدى الشعوب الأفريقية على مصر، وهو لو أراد أن يتعرف على أشكال الاضطهاد العنصرى فلينظر إلى الجنوب الأفريقى الذى يطالبه بالتدخل لحل مشاكلنا المذعومة، فالنوبيون هم آخر ناس ممكن أن ينجرفوا وراء تيار أدول أو غيره،فلم يحدث أن أبادت الدولة قرية نوبية واحدة، أو أدخلت النوبيين إلى المعتقلات لانهم من أصول نوبية. ويستكمل عرفات حسين حديثه قائلا : لا داعى لتلويث سمعة النوبيين سياسيا فتاريخنا معروف، وهو جزء من تاريخ مصر، ولا تقوم الدولة بمحوه، بل إن المرشدين السياحيين يشرحون تاريخ النوبة كجزء من تاريخ مصر. الزنجى الأمريكى يركب عربة النوبة ويفجر عرفات حسين قنبلة من العيار الثقيل حين يقول : إن العبث بالملف النوبى فى الخارج قديم بعض الشيء، فقد كان يحضر إلى مصر أمريكى يدعى دكتور بن، ويزعم أنه من أصل نوبى وكان يحضر معه مجموعات سياحية من الزنوج الأمريكان ويدعون أنهم من النوبة،ويقيمون معنا ويحضرون معهم الهدايا،وتقام لهم الاحتفالات - بحسن النية - وحين شعرت الدولة أنه يتخذ خطاً سياسيا معينا، ولا يأتى للسياحة منعته على الفور. ويلتقط خيط الحديث الحاج حسين شحات بركات ويفجر أسرارا جديدة عن الأمريكى بن فيقول: كان يحضر من أمريكا ومعه مجموعات كبيرة، يدعون أنهم من أصحاب الأصول النوبية، وكان يقول لهم إذا سألوكم عن أصولكم فقولوا لهم : انتم نوبيان، وأنت تعرف أن أهلنا طيبون ويصدقون بسرعة ما يحكى لهم، وكان هؤلاء يستقلون السيارات وينزلون فى مضيفة كبير ة فى دابود، ويحضرون معهم الهدايا والكتب والكراسات للتلاميذ، بل أنهم أرادوا بناء دورات مياه خاصة بهم، حتى لا يدخلوا دورات المياه فى البيوت، وكانوا يرددون دائما أنهم من أصل دابودى،وحاولوا أن يجعلوا من دابود معقلا لهم،واتضح لنا أنهم زنوج أمريكان من أصول أفريقية وليست لهم أدنى علاقة بالنوبة. ويضيف: عندما شعر أهلنا بالخطر أبلغوا الجهات الرسمية، وفوجئنا بأن هذه الجهات كانت تعرف عنهم وعن تحركاتهم أكثر مما نعرف،ولم يعد أحد يستقبلهم بعد أن عرفنا أن لهم أهدافا سياسية. أما مرغنى عبد الغنى بدوي- وهو أحد مؤسسى فرقة الفنون الشعبية بالأقصر- فيقول : عندما قرأت ما كتبه أدول ضحكت من كل قلبى، فإن كان هو مانديلا النوبة فأين قضى سنوات السجن والتعذيب والاضطهاد،ثم لماذا لا أكون أنا مانديلا وكل سمارة فى الدنيا مانديلا؟ هو الراجل دا ماله؟ لكن ميرغنى مدنى بعد وصلة الضحك والسخرية قال جاداً : لا أحب أن أسمع أن هناك من يتدخل فى تاريخنا وسياستنا وأوضاعنا الداخلية،لا الأمريكان ولا مؤتمرات أقباط المهجر ولا غيرها، فلا يوجد وصى علينا،والنوبة بها رجال يعلمون مشاكلها وأوضاعها، وهذه المشاكل لا تحل بالاستقواء بالخارج إحنا غسيلنا نظيف، والغسيل الذى نشر بالخارج ليس غسيلنا. وأقول له أنا راجل أعمل وكيلا لمدرسة فأين هو التمييز العنصرى الذى تتحدث عنه، وانت نفسك يا حجاج أعطتك الدولة منح تفرغ وتطبع لك كتبك،وحصلت على جائزة الدولة التشجيعية، إذاً أين هو هذا الاضطهاد الواقع عليك شخصياً؟ أما محمد أبو القاسم مدير مطعم سياحي- فيقول : النوبيون سماهم صافية وقلوبهم صافية، ولهم طبيعة خاصة يحافظون عليها، ومحمد أبو القاسم يرفض الاستقواء بالمؤتمرات المشبوهة وبالدول الخارجية، ويرى أن مثل هذا التصرف لا يصدر عن أصحاب التصرفات النزيهة، ولكنه أيضا يرى أنه كشاب نوبى لا يعرف لغته النوبية أى شيء، ولا عن تاريخ النوبة الكثير، ويرى أن اختلاط الأنساب كان له الدور الكبير فى ذلك خاصة بعد التهجير. أما عن موضوع التعويضات فيقول : لو كانت هناك تعويضات فى وقتها مجزية لكن حالنا الآن أفضل بكثير وعليه فإن الدولة مسئولة عن دفع التعويضات المتأخرة والمتمثلة فى البيوت والأراضى والمزارع والسواقى والبهائم
الثلاثاء، 17 فبراير 2009
مقال عن حجاج ادول بقلم فؤاد جويلى فى جريدة العربى
محمد عبداللطيف الصغير
محمد عبد اللطيف الصغير
إرسال بالبريد الإلكتروني
كتابة مدونة حول هذه المشاركة
المشاركة على X
المشاركة في Facebook
التسميات:
فؤاد جويلى
1 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:
يشاع فى هذه الأيام فى أروقة مدينة أسوان وعلى صفحات الفيس الخاص بشباب الهلايلة بأن هناك سيارات دخلت أسوان محملة بكافة أنواع الأسلحة .. وشباب الهلايلة يتحدثون عن أن وقفة العيد وأيامها ستكون حرب الإبادة الكبرى للنوبيين.
ولكن دعونا فى البدايةً أن نتوقف قبل الدخول فى غِمار تلك الأحداث الملتهبة .. فهناك الكثير جداً من الأمور والتى للأسف لا تجد من النوبيين بكافة طوائفهم بقليل وهو الحد الأدنى من المعرفة للتواصل الدينى والروحى لذوى القُربى , وتمنيت من قبل ومازلت أتمنى أن يصل المجتمع النوبى كافة لمرحلة الجسد الواحد الذى يشد بعضه بعضا .
وكما أن الكل يعلم علم اليقين بأن المناطق النوبية منذ عهد الإحتلال وحتى الآن كعهدها تعتبر من المناطق النائية جملةً وتفصيلاً .. ولا تتذكرها الدولة إلا بما يدر عليها وعلى المنتفعين بمليارات الدولارات دون أن يتذوق أهلها بترف قرشاً واحداً من غنائم طبيعة وموارد أراضيهم .
إرسال تعليق
اكتب تعليقك بدون تسجيل