ربما تجاهل المؤرخ الرسمي أسماء الشعراء الشعبيين الذين صاغوا نصوص الشعر التحريضي وتقدموا جيوش سقنن-رع ، ثم كاموس ثم أحمس في حرب التحرير التي بدأت من طيبة ، كما أننا لازلنا نجهل إسم الشاعر الذي صاغ أنشودة معركة قادش والتي دونها رمسيس الثاني علي معابده ، كما أنني أفتقد للدراسات التي تحدثني عن شاعر الفاتح العظيم تحتمس الثالث ومعاركه الحربية الكبري إذ دائماً ما يرتبط الحدث القومي بحدث أدبي كبير .إلا أن والدنا العظيم إخناتون يظل هو سيد الملهمين وسيد شعراء الإقليم الطيبي بأناشيده ومزاميره التوحيدية التي إستلهمها تحت ضوء شموع إحدي الغرف المقدسة بمعبد والده أمنحوتب الثالث المطل علي نيل الأقصر .وإذا كانت جداريات الجبانة الغربية في طيبة وبردياتها قد ألهمت العالم القديم بتصوراتها عن الوجود ، وبقصص التضحيات وقصائد الحب وألهمت الفن والأدب المعاصرين بمعجزة الواقعية السحرية ، فإنك توشك عندما ترفع حجراً قديماً أن تجد عليه نقش قصيدة كتبها أحد العمال من الحفارين في المقابر لحبيبته أو لأمه ليسري عن نفسه في إستراحة القيلولة ، قبل أن يعود لمواصلة عمله الشاق تحت صخور جبل القرنة .وتلك الليلة أترك شيللي يصف بشعره عظمة تمثال رمسيس الثاني المحطم بفناء الرمسيوم ، وأعود أدراجي لأرفع حجراً أو حجرين من خارج أسوار المعبد ..... وهنا لا أستطيع أن أضرب بجذور المشهد الشعري المعاصر في طيبة لأبعد من مدونات النصف الثاني من عقد الثمانينات في القرن العشرين قبل أن تكتشف التربة الطيبية عن مدونات السابقين لهم ، أو أجد علي السطح ما أهملت الإطلاع عليه من كتابات اللاحقين .والمشهد الشعري الطيبي لا ينفصل في الواقع عن المشهد الجنوبي المحيط به ، كما أنه لا ينفصل أيضاً عن الجذور الأدبية في المنطقة والتي كان لها تأثيرها غير المباشر في بتجلياته ، كما أنه لا ينفصل عن قضايا الأمة العربية التي أثرت فيه تأثيراً مباشراً .في هذا الوقت كان لابد من حراك ثقافي ، وكان لطغيان عبد الرحمن الأبنودي الشعري والإعلامي وقصائد الراحل أمل دنقل يستفزان إستقراري وجمال الطاهر " إبن أرمنت "، وكنا قد عدنا من سنوات الدراسة والكتابة بأسوان حيث كانت الحركة الأدبية علي أعلي مستوايتها في النصف الأول من الثمانينيات .. ثم دخلت الإنتفاضة الفلسطينية وأبطالها علينا من الأبواب والنوافذ وإستشهد " أبو جهاد " في تونس فإنطلقت القصائد - التي كنا نحسبها شعراً عظيماً في ذلك الوقت - وبحثنا عن نادي الأدب فلم نجده ....وهنا ظهر والد الحركة الأدبية الحديثة بالأقصر حسين خليفة الذي كان قد بدا شاعراً من شعراء العامية الذين إحتفي بهم فؤاد حداد في بابه الأسبوعي من مجلة صباح الخير ، لكنه وبمحض إرادته مزق بردياته الشعرية وصار حكاء بليغاً ويقوم بإهداء ما يصله من القاهرة من دواوين جاهين والأبنودي وحجاب وحداد ودنقل وقصص يوسف إدريس لأصدقائه ، ثم يتفرغ بعد صحبة قصيرة مع يحيي الطاهر عبد الله لكتابة القصة القصيرة .في هذا التوقيت ظهر سيد مسعود الأقصري الذي كان يكتب في كل شيء وأقام صالوناً أدبياً في فندقه الخاص لكن هذا الصالون رغم أفضاله علي مريديه لم يك يمثل طموح حركة شعرية جديدة فإعتزلته ومعي بعض الشباب منذ تأسيسه .ويسبق معرفتي بالصالون لقاء جمعني فيه حسين خليفة بشاعرين فقط يعرفهما قصر ثقافة الأقصر ، أحدهما يعزف الموسيقي ثم يلقي بعض مقاطع من نظمه وهو الأستاذ محمد المظلوم " تواري عن الحركة الأدبية سريعاً وثانيهما يكتب شعراً عمودياً صحيحاً وينحو نحو التحديث ويريد أن يقدم شيئاً حقيقاً وهو حسين سيد أحمد القباحي الذي صار من شعراء هذا الجيل المؤثرين بعد ذلك ، ولأن المجايلة تمكن للعلاقة الإنسانية والشعرية فقد فرحت بحسين القباحي بقدر فرحه بي وكانت قصائده تبيت عندي أراجع له فيها بناء النص الشعري ، وقصائدي تبيت عنده وعند عبد العزيز لبيب وعبد الرسول عبد الحاكم أيضاً لإصلاح عيوبها اللغوية التي لم أبرأ أبداً منها .. وكتب القباحي شعراً حراً وصارت قصيدة التفعيلة بالأقصر بجناحين ولكن غير قويين .. كما كانت هناك قصائد الشاعر النوبي أحمد حسين الشحات وبينما سيد مسعود الأقصري يصرف أمواله ببزخ علي المهتمين بالأدب طرأ له أن يقيم علي حسابه الشخصي مؤتمراً أدبياً في ذكري يحيي الطاهر عبد الله ، وكنت أشعر أن هناك ثمة خطأ ما ، فأين وزارة الثقافة من مؤتمر مثل هذا ؟ وحدث أن إلتقيت بالأستاذ محمد السيد عيد في إحدي الأمسيات الشعرية عام 1987م بسوهاج وطرحت عليه فكرة عقد مؤتمر شعري كل عام بالأقصر فأخبرني بضرورة إقامة نادي أدب بقصر الثقافة أولاً ثم يأتي المؤتمر بعد ذلك .وعدت بالفكرة التي تبناها رسمياً حسين مهران رئيس الهيئة في ذلك الوقت ومحمد السيد عيد ومعهم أدباء الأقصر وطاف حسين القباحي وأسامة عبد العاطي ومحمود عمران " من أرمنت " والحاجة أم نشأت وحسين خليفة وأنا علي الأدباء في بيوتهم ليكتمل نصاب النادي القانوني .وأنبه هنا إلي أن حديثي عن مؤتمر طيبة ليس منفصلاً عن المشهد الشعري لأن هذا هو المؤتمر الوحيد تقريباً الذي صنع أسماء لها قيمة شعرية .أو علي أقل تقدي جعل للأدباء الأقصر مكاناً علي خريطة الشعر في مصر خصوصاً بعدما حوله سمير فرج إلي مؤتمر عالمي .عندما نبشت الليلة تحت الأحجار المنسية خلف أسوار المعبد العتيق " قال الحفار " ظهرت نقوش وبرديات مدفونة لشعراء كبار فكسر فراج العيني عزلته الإختيارية والتي دخلها أغلب مثقفي اليسار في ذلك الوقت . وإسترد إيمانه مرة أخري بدور القصيدة المقاتلة التي يكتبها ونفض أحمد عبد القادر العشاوي غبار السنوات عن شعره العامي المنفرد الذي كتبه منذ عشرين عاماً ، وحمل حشمت يوسف قصصه ومشاغباته السياسية والفكرية وإحتل مقعده المفقود منذ عقد من الزمان وكسر أحزانه الغائمة ، الشاعر السبعيني عبد الكريم حجازي الذي كان متفرداً بتجريبه الواسع بين أقرانه وفتح مكتبته للجميع ( ويعيش حالياً في لندن ) .. لم يكتمل النصاب القانوني بعد لإقامة نادي الأدب .. ضم القباحي كفه اليمني علي جبهته وأطاح حسين خليفة بكراسة رسم كانت في يده ، ثم بدعوة ، منهما ومني حضر أباء القصيدة العمودية ، الراحلان الكبيران محمود منصور ومحمد عادل والأساتذة الأجلاء عبد العزيز لبيب وعبد الرسول عبد الحاكم وعز العرب عبد الحميد - أكثرهم إنتاجاً - والثلاثة كانوا ينشرون شعرهم في السبعينات ثم توقفوا .. ولم تمض أيام حتي حضر إلي النادي خطيب مساجد الأقصر ومنظر الحركة الإسلامية في السبعينات والسمانينات الشيخ الجليل أبو الوفا مجلي رحمة الله ناقداً وشاعراً وباحثاً ثم مأذون الأقصر وسيد قصيدتها العمودية في ذلك الوقت الشيخ أبو الوفا الشرقاوي إبن الكرنك( هنا تساقط غبار التربة الطيبية علي أصابع الحفار وأدركت أنني أهملت حجراً مسكوناً بسر الشعر أوشك علي السقوط في الحفرة العميقة دون أن يشعر به أحد ).فقبل أن يصعد هؤلاء الكبار إلي المشهد الشعري تصدر جيل الشباب الذي حملوا حيرتهم الشخصية والوطنية والشعرية في أوراق كانت كافية لتقول لنا : أنهم هنا ( محمد جاد المولي بقصائد قليلة - في مشروعه الشعري - كثيرة في عطائها وأتصور أنه لو أعطي وقته لشعره كما يعطيه للآخرين لإكتمل له مشروعاً شعرياً مهماً في حركة جيل التسعينات .وأسامة البنا الذي حسم أمره مبكراً بإختيار العامية طريقاً لكتابتة قصيدة قارئاً لكل ما يقع تحت يده من الأدب الحديث والقديم ثم مجرباً جاداً ومثقفاً يعرف ما يكتبه ، ود. زين العابدين الطاهر الذي أصدر ديواناً ثم تفرغ لتخصصه في أحد علوم طب الأمراض المستوطنة وهاجر إلي أمريكا وهو الذي إقترح إطلاق إسم طيبة علي مؤتمرنا السنوي ، ثم إلتحق بهم مأمون الحجاجي الذي كان قد سبقهم إلتحاقاً بالحركة الشعرية في سنوات الجامعة ببني سويف والذي طورها إحتكاكه الدائم بالحركة الشعرية بالقاهرة فأمد تجربته بأكثر من رافد ثقافى.ثم إلتحق بهم بعد سنوات أشرف فراج الذى كنا نعده من الشعراء النابغين فى هذا الجيل قبل أن يقرر إهمال نصه الشعرى دون مقدمات معقولة ، وبكرى عبد الحميد الذى لا تفهم هل تسبق ملامحه قصيدته الجادة أم تسبق قصيدة ملامحة الجادة ؟والذى لا يبتسم أبدا إلا بعد أن ينشدك قصيدته العامية الجديدة المتميزة ، ثم الحسين خضيرى الذى تفوق لغة وعروضاً وتجربة على العشرات من الأسماء التى نقرأ لها ، ولكن خلقه وأدبه يمنعانه دائما من الحديث عن أدبه وشعره من أن يضع نفسه فى كبار شعراء الجميع . وفى هذا الطريق بدأت تتضح معالم حركة شعرية أقصرية زاد من توهجها الإحتكاك الدائم بشعراء نجع حمادى الذى سبقنا بعضهم تجربة ونشراً ( عبد الستار سليم وعزت الطيرى ) وشعراء قنا وقوص وأرمنت على وجه الخصوص ( رمضان عبد العليم - ومحمد العمدة - محمد كامل - جمال الطاهر )وسافرنا بأوراقنا إلى القرى القريبة والبعيدة ، والذى لا أنكره - يجب أن ينكره غيرى - أن النتاج الشعرى فى هذه المرحلة وربما لوقت طويل بعد ذلك كان إعادة إنتاج لكتابات أخرى سواء من داخل لمجموعة نفسها أو من الدواوين الشعرية التى كنا نتبادل إستعارتها.فى صمت إحدى أمسيات الحفارين صرخ أحد العمال وأشار إلى تذكار منقوش فى أسفل قاعدة مسلة يومض فيخطف العين ويغيب رويداً .. وجاء حسين خليفة بمخطوط ديوان الزجال المصرى الكبير ( الأمير سليم البياضى) الذى تسيد فن الزجل فى صعيد مصر فى الأربعينيات من القرن الماضى ،وعند محاولتى التنقيب عن باقى مخطوطاته عرفت أن بعض أفراد أسرته قد أحرقوها عقب وفاته فى فرن خبيز العيش ، وكانت إحدى عادات الصعيد السيئة والتى عاصرناها إحراق بعض مقتنيات من يرحل مثل الملابس والأوراق غير الرسمية والتذكارات الشخصية ، ربما لإعتقادهم أن وجود مثل هذه البقايا يقلق روح المتوفى ، بينما هو فى الحقيقة يقلق أرواح الذين يرثون الحياة من بعده وتألمهم الذكرى .لم نك نحتاج لحفارين ومكتشفين حين حضر إلي المشهد الشعرى صديق آباء أدب الجنوب الثلاثة وهو الأستاذ منتصر أبو الحجاج الذى أدهشنا بصخبه وشعره العامى الستينى، وأخذ يحدثنا عن آباء الآباء وعن الشاعرين الكبرين الشيخ الأبنودى الأب والأستاذ فهيم دنقل والد أمل ، ثم يغيب منتصر أبو الحجاج ليعود مرة أخرى مشاغباً يعرف ماضى المدينة وعائلات القرى ويقرأ الكف ويرمى الودع ويكشف بنثره وشعره خفايا طرق المدينة الخلفية ويعلو صوت النقاش بينه وبين حشمت يوسف ، ولا نعرف من منهما على حق وهل تم هدم أبواب الحارات قبل الثورة أم أيام الإحتال الفرنسى ؟ ويخفى الإثنان عن المجموعة حقيقة ما يعرفانه عن تشكيل الإتحاد الإشتراكى وهنا يبتسم أحمد عبد القادر العشاوى أحد المؤسسين لهذا الإتحاد ويقول : إسالونى أنا.وإذا كان البحث عن الشاعر الذى دون ملامح تحتمس الثالث قد أعيانا فى أن البحث عن الشاعر الكلاسيكي الكبير على العديسى كان ميسوراً بعض الشيء فهو من مؤسسين للجماعة الشعبية فى قنا وكانت تتبعها الأقصر فى ذلك الوقت، وهى المؤسسة التى تخرج منها كبار شعراء مصر بعد ذلك .وعلى العديسى هو إبن أحد البيوت الضاربه فى جذور الوطنية المصرية وهو شقيق أحد مؤسسى تنظيم الضباط الأحرار الآوائل الصاغ عبد المنعم العديسى التى إستشهد مع البطل أحمد فى حرب فلسطين وقد أطلقت الثورة إسمه على أهم شوارع مدينة الأقصر .وإن كان علي العديسي قد قام بالدور المؤسسي للشعر في الإقليم فإننا نجد جدارية قد حطمتها يد العمال علي غير قصد ، ونقرأ إسم الشعر والمثقف الأقصري الكبير عمر عبد العزيز .. ويحدثني عنه أحد الحفارين البارعين وهو أستاذ علم السياحة الدكتور عبد الحميد يحيي قائلاً : كان عمر عبد العزيز هو المدرسة الشعبية التي كنا نهرب من المدرسة الرسمية إليها في الأربعينات ، فقد كان يقف أمام حانوته بالمنشية - وعلي طريقة الهايد بارك - يلقي شعره وخطبة في العابرين ، ويجتمع إليه كل ليلة أكابر أهل المدينة وعمد مشايخ القري وصعاليكها ، وكان يتكلم في السياسة والتاريخ والفن الشعبي وعروض الشعر .. ولكن لأن الجدارية قد تحطمت فلن نعثر علي شعره ولم تفسر لنا النقوش المتآكلة نهاية الرجل الغامضة عندما ترك المدينة وسار جافي القدمين قاطعاً الصحراء الجنوبية وحيداً إلي أن عثروا عليه ميتاً علي حدود السودان أثناء حرب 1956 .وأعود لشهر أبريل 1988م حين غادرت إلي القاهرة ثم بعد سنوات غادر حسين القباحي إلي الأمارات حيث مكث فيها معلماً وشاعراً مصرياً مؤثراً في الأدب الخليجي ، وعدت بعد سنوات طويلة عندما تغير المشهد الشعري القاهري وإخترت العزلة بعد أن وجدت أن المشهد كله يوشك أن يتغير فأخرجتني من عزلتي قصائد الشاعر الشاب سيد العديسي الذي يحمل في ملامحه وشعره طيبة الأرض وسمارها وميراث هموم الأجداد في لهجة لم تتفلت من لهجة الجذور وشكل شعري ينحو نحو التجديد ، وما لبث أن حمل أوراقه وغادر إلي محافل أكثر صخباً وإتساعاً في العاصمة .وفي سنوات الإعتزال الإختياري كان مأمون الحجاجي يسطو علي شاعرة العامية آمال منصور فتعشق شعره وتترك شعرها لإختياراته وبإقترانهما أنجبا أحلي قصائدهما ( أحمد ومحمد وزينب ) حفظهم الله ، بينما تألقت علي الجدارية أسماء : محمد جاد المولي - أسامة البنا - جمال الطاهر - الحسين خضيري - بكري عبد الحميد ثم من بعدهم أحمد عابدين وأدهم وسمبل وأسامة الشريف وأحمد الجمل وسيد المصري ، ثم الضوي محمد الضوي الذي أدهشني تماماً بشعره وثقافته سنوات عمره التي يبدأ معها دخول الجامعة هذا العام ، ومنذ ساعات أهداني الشاعر الأستاذ عز العرب عبد الحميد قصيدتين لطالب الطب مصطفي جعفر عثمان فشعرت من القراءة الأولي أنني وأخواني علينا أن نعيد حساباتنا مرة أخري فهؤلاء الشباب مصطفي جعفر عثمان والضوي محمد الضوي وغيرهما ضربوا الحائط مقولات اليائسين حول إنتهاء دور الشعر ، وموت القصيدة المقاتلة في وجه القبح .هل إنتهي المشهد ؟ وهل إنفض غبار الأحجار عن ملابسي قبل أن أعيد قراءة رباعيات الشاعر غطاس حبيب الهانيني التي تحمل منذ السبعينات رؤاها الفلسفية والإنسانية الرائعة وقصائده التي تنساب في المشهد الشعري الأقصري كالتنويم المغناطيسي المسالم .وهل أنفض الغبار وأتناسي كما يحدث دائماً - شقيقي إيهاب فؤاد الجويلي الذي يكتب الأغنية منذ منتصف التسعينات - والأغنية فقط يلقيها شعراً بين أقرانه في نوادي المدينة أو يغنيها لهم ، وهنا يستدعي المشهد الشاعري سمير ذكي الذي خرج من عباءة مؤتمر طيبة ليكتب الأغنية ويهاجر بها إلي العاصمة حيث غني له مطربوها .والآن قبل أن ألحق بالشاعر العظيم شيللي والذي تركته يقف تحت تمثالي ممنون بعد أن ألهمه الرمسيوم أحلي قصائده ، لا أستطيع أن أغلق المشهد دون الحديث عن الشاعر محمد النوبي الوريث الشعبي لفن المربع الشعري ، والذي يقف بشعره خارج المشهد الرسمي ربما لأنه لا يريد سوي أن يقول مربعاته الشعرية ، وهناك بين الجبل والماء في الطود والعديسات مع أهله الطيبين ، مثله في ذلك مثل الشاعر العامية عبد المريد العبادي الذي يظهر في مطلع كل حول قمري يلقي علينا قصيدة ثم يغيب عند حافة الجبل الشرقي للأقصر مثل أسلافه الطيبين من قبيلة العبابدة الذين يسكنون صحراء وجبال البحر الأحمر ويأنسون بصدي أصوات أسلافهم يتردد بين جنبات الجبال العالية .هل إنتهي المشهد الشعري ؟ وهل من الممكن أن أتجاهل مثلما تتجاهل الثقافة الرسمية الشعراء الشعبيين والذين يأتي في مقدمتهم الشيخ أحمد أب بريم مداح الحضرة النبوية الشريفة ، والذي كان ينشدنا في المولد النبوي وفي مولد سيدي أبو الحجاج لساعات طويلة من مؤلفاته وتداعياته حتي يقيم مجالس الذكر ويقعدها ؟ وهل من الممكن أن أتجاهل سيد الضوي أحد رواد السيرة الهلالية في جنوب مصر والذي عرفه مثقفو الأقصر وصاحبوه في جولاته ولياليه .لا تزال الحفائر تحتاج لمن ينقب فيها ، والجداريات والصفحات لا تتسع إلا لملف شعري ربما يري فيه القاريء بعض مشهد الشعر الأقصري ، أو بصحيح العبارة مشهد الشعر المصري بما له وما عليه ، وأتصور أنني قدمت مشهد لحركة أدبية وإجتماعية وثقافية يقترب كثيراً أو يبتعد من المشهد نفسه في أغلب مدن وقري مصر ، وإن كان سيدي القاريء الكريم يري أنني قد جاملت أصدقائي في تقديمي لهم فعذري في ذلك أنني أراهم هكذا وأنني أقدم ما أحس به ، وللتاريخ والنقد الأصيل كلمة الفصل في النهاية
الأحد، 1 فبراير 2009
جداريات اقصريه بقلم احمد فؤاد جويلى
محمد عبداللطيف الصغير
محمد عبد اللطيف الصغير
إرسال بالبريد الإلكتروني
كتابة مدونة حول هذه المشاركة
المشاركة على X
المشاركة في Facebook
0 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك بدون تسجيل