في اعتقادي لم تلق موهبة إبان ظهورها مثلما لاقت موهبة 'أشرف الخمايسي' من استقبال حافل، واستحسان لدي الناقد الأكاديمي، والمتلقي العادي علي السواء.. فكانت إيذانا بانضمام صوت متفرد *بقوة * إلي قائمة المبدعين الكبار.. لأنه بالفعل كان أشبه بانفجار، وادهاش مغاير لما عهدت الساحة الأدبية منذ وقت طويل.
تقول الحكاية الموروثة
'بعد أن انتصف الليل وقف الرجل إلي جانب النهر، فأقبل عليه آخر فلاحظ الأول أن ساقي المقبل عبارة عن ساقي حمار فعرف علي الفور أنه 'عفريت'.. فوجل الأول، وظل يعدو، وما أن قارب علي الدخول في ونس القرية حتي كاد أن يصطدم برجل، فسأله الآخر عن سبب عدوه بهذه السرعة.. فالتقط الأول أنفاسه وأخبره بأنه رأي رجلا واقفا علي النهر له ساقا حمار، فما كان من الآخر إلا أن كشف ساقيه قائلا.
*أمثل هذه كانت؟
عفريت القاهرة
القروي النازح إلي القاهرة يدرك تماما أن عليه التسلح بما يتناسب مع جمودها، وجهامتها، ويدرك أيضا أن عليه التخلي عن صفات لن تفيده *سوف تكون من جملة الأعباء * لذا فحسب إدراكنا لمبدأ (الأخذ والتخلي) سوف يتحدد مدي تقبلنا للقهر الناجم عن اصطدامنا بآلياتها.
وفي اعتقادي أن 'الخمايسي' لم يكن بحاجة إلي تطبيق هذا المبدأ أو التحصن بأية وسائل دفاعية تقيه من قهر العاصمة.. لأنه *وإن كان عاش بين جنباتها قرابة العام أو أكثر*فقد عاش علي هامشها.. أي أنه عاش في العاصمة بمفهومه الخاص وليس بمفهومها وما يؤكد مارميت اليه هي القضايا التي طرحها 'الخمايسي' في هذه الفترة مثلا قضية 'المرأة المبدعة' وطرحه لوجهة نظره الأحادية مما دعي احدي الكاتبات لأن تطلق عليه 'أديب الأحراش'.
أيضا قضية 'التفرغ' التي لم يقتنع بها حتي الآن.. هذا غير حلمه بأن يحقق اسطورته الشخصية *علي طريقة باولوكويلهو *بأن يشتري قطيعا من الأغنام يكون هو الراعي له بعيدا عن سطوة التجمعات العمرانية ممارسا لطقوس براءته هذا التفكير مؤشر لتركيبة 'الخمايسي' الانسانية وليس مجرد رد فعل لضغوط العاصمة عليه، وأريد أن أوضح أن السبب الحقيقي لتركه القاهرة هو ارتباطه الشديد بأسرته التي لم يستطع الاستغناء عنها ولم تسعف الحلول الوسطي آنذاك لمحاولة توفيق أوضاعه وحتي حين أتوا معه لم يحتمل مجرد التفكير في تركهم دونه حتي ولو ساعات قليلة في اليوم، هذا الي جانب رفضه لأن ينشأ (فارس، محمد) بين عشوائيات 'دار السلام' لذا أعادهم الي الأقصر ثم عاد.
عفريت الأقصر
يأتي الشاعر/ القاص إلي الأقصر إما لزيارة التاريخ أو رؤية بعض ممن يجب وفي الحالتين سوف يجد انها فرصة مناسبة لرؤية الأدباء *عسي أن يري أحدا يعرفه أو قرأ له في الدوريات الثقافية *ولما يتصفح الوجوه سوف يكتشف حداثة عهده بهم.. حينها سوف يسأل عن بعض الأدباء الغائبة وجوههم فلن تصل إليه أجابة مقنعة عن سبب انقطاعهم عن المؤسسة *وقد يعتبر هذا شيئا عاديا *وما أن يبدأ بالسؤال عن 'اشرف الخمايسي' سوف تهزه الردود
*بيقولوا إتدروش..!
*منعرفش عنه حاجة
* ياعم داجاب آخره
*بيرعي ف الغنمات
وهكذا..
وحين يستفسر لماذا لم يسأل عنه أحد. سوف يمصمصون شفاههم.. هذا بالضبط ما أخبرني به 'جمال عدوي' بعد أن مر بهذه التجربة وكان مصاحبا ل'أحمد أبوخنيجر'.
وفي رصدي للعلاقة بينهم وبين 'الخمايسي' لم أجد مبررا لهذا الجفاء فهو لم يزاحمهم قط في نفعيتهم ولم يتكالب علي 'كعكة' المؤسسة وزاهد حتي في الفتات الذي تلقيه لهم.. حتي المؤتمرات القليلة التي شارك فيها كانت دعوته اليها من خلال الأماكن التي عقدت فيها.
شيء آخر لاحظته وهو أن 'الخمايسي' يكاد يكون المبدع الوحيد الذي صدر له إصداران وهما 'الجبريلية' المجموعة القصصية، ورواية 'الصنم' وبالرغم من ذلك لم تتم مناقشة اي منهما في الأقصر *مع الوضع في الاعتبار ندرة الاصدارات وجودة الطرح الابداعي 'للخمايسي'.
حكاية لابد منها
منذ مايقرب من عام وبالتحديد يوم 9/7/2001م
والذي اطلق عليه يوم الغضب *ذهبت لزيارة 'الخمايسي' في بيته وكنا متفقين علي الذهاب الي ندوة نادي الأدب بعد فترة انقطاع وما أن وصلت الي بيته الكائن في شارع 'المزدلفة' *المتفرع من شارع التليفزيون *حتي ألفته ينتظرني امام الباب بعد أن سلم علي قال
*اتبعني سوف تري مايدهشك
وذهبنا حيث اراد.. كان قد صنع لافتة كبيرة من القماش، وكتب عليها 'القدس عربية'، وبرنة فرح حقيقية قال أننا سوف نتحرك في مسيرة سلمية من قصر الثقافة *نحن وباقي الأدباء* ونجوب انحاء المدينة مظهرين غضبنا... وسألني ما رأيك؟ لم اندهش وان كنت مترقبا لما سيحدث... وفي الندوة حين اقترح عليهم هذا الاقتراح لم يقولوا حتي اذهب انت وربك قاتلا لكنهم اتهموه باتهامات سخيفة وقالوا ان حالة البلد *يقصدون الأقصر *لاتحتمل ما يفكر فيه.. وحين خرج يحمل اللافتة في شوارع المدينة قالوا.. 'هو حتما مجنون..'
وقال هو.. 'هذا آخر عهدي بكم..
اتقن صناعة 'الآركت' وأسس في بيته ورشه صغيرة.. فسألته إن كانت هذه العملية تحقق له الربح.. راوغني قليلا وقال بأنه منذ فترة يعيد حساباته لأنه غير مقتنع بجدوي الكتابة الأدبية عموما، وغير راض عما يحدث في الأوساط الثقافية من صراعات تستهدف المنفعة.. وحين تطرقت بالحديث عن مشروعه الابداعي، اخبرني بأنه متوقف منذ فترة وانه سوف يكتفي بجمع الرواية والمجموعة القصصية وبعض القصص المتفرقة ويحاول اصدارهم في مجلد ويكفيه ما انجز وما اصابه من الأدب.
السيد العديسي
تقول الحكاية الموروثة
'بعد أن انتصف الليل وقف الرجل إلي جانب النهر، فأقبل عليه آخر فلاحظ الأول أن ساقي المقبل عبارة عن ساقي حمار فعرف علي الفور أنه 'عفريت'.. فوجل الأول، وظل يعدو، وما أن قارب علي الدخول في ونس القرية حتي كاد أن يصطدم برجل، فسأله الآخر عن سبب عدوه بهذه السرعة.. فالتقط الأول أنفاسه وأخبره بأنه رأي رجلا واقفا علي النهر له ساقا حمار، فما كان من الآخر إلا أن كشف ساقيه قائلا.
*أمثل هذه كانت؟
عفريت القاهرة
القروي النازح إلي القاهرة يدرك تماما أن عليه التسلح بما يتناسب مع جمودها، وجهامتها، ويدرك أيضا أن عليه التخلي عن صفات لن تفيده *سوف تكون من جملة الأعباء * لذا فحسب إدراكنا لمبدأ (الأخذ والتخلي) سوف يتحدد مدي تقبلنا للقهر الناجم عن اصطدامنا بآلياتها.
وفي اعتقادي أن 'الخمايسي' لم يكن بحاجة إلي تطبيق هذا المبدأ أو التحصن بأية وسائل دفاعية تقيه من قهر العاصمة.. لأنه *وإن كان عاش بين جنباتها قرابة العام أو أكثر*فقد عاش علي هامشها.. أي أنه عاش في العاصمة بمفهومه الخاص وليس بمفهومها وما يؤكد مارميت اليه هي القضايا التي طرحها 'الخمايسي' في هذه الفترة مثلا قضية 'المرأة المبدعة' وطرحه لوجهة نظره الأحادية مما دعي احدي الكاتبات لأن تطلق عليه 'أديب الأحراش'.
أيضا قضية 'التفرغ' التي لم يقتنع بها حتي الآن.. هذا غير حلمه بأن يحقق اسطورته الشخصية *علي طريقة باولوكويلهو *بأن يشتري قطيعا من الأغنام يكون هو الراعي له بعيدا عن سطوة التجمعات العمرانية ممارسا لطقوس براءته هذا التفكير مؤشر لتركيبة 'الخمايسي' الانسانية وليس مجرد رد فعل لضغوط العاصمة عليه، وأريد أن أوضح أن السبب الحقيقي لتركه القاهرة هو ارتباطه الشديد بأسرته التي لم يستطع الاستغناء عنها ولم تسعف الحلول الوسطي آنذاك لمحاولة توفيق أوضاعه وحتي حين أتوا معه لم يحتمل مجرد التفكير في تركهم دونه حتي ولو ساعات قليلة في اليوم، هذا الي جانب رفضه لأن ينشأ (فارس، محمد) بين عشوائيات 'دار السلام' لذا أعادهم الي الأقصر ثم عاد.
عفريت الأقصر
يأتي الشاعر/ القاص إلي الأقصر إما لزيارة التاريخ أو رؤية بعض ممن يجب وفي الحالتين سوف يجد انها فرصة مناسبة لرؤية الأدباء *عسي أن يري أحدا يعرفه أو قرأ له في الدوريات الثقافية *ولما يتصفح الوجوه سوف يكتشف حداثة عهده بهم.. حينها سوف يسأل عن بعض الأدباء الغائبة وجوههم فلن تصل إليه أجابة مقنعة عن سبب انقطاعهم عن المؤسسة *وقد يعتبر هذا شيئا عاديا *وما أن يبدأ بالسؤال عن 'اشرف الخمايسي' سوف تهزه الردود
*بيقولوا إتدروش..!
*منعرفش عنه حاجة
* ياعم داجاب آخره
*بيرعي ف الغنمات
وهكذا..
وحين يستفسر لماذا لم يسأل عنه أحد. سوف يمصمصون شفاههم.. هذا بالضبط ما أخبرني به 'جمال عدوي' بعد أن مر بهذه التجربة وكان مصاحبا ل'أحمد أبوخنيجر'.
وفي رصدي للعلاقة بينهم وبين 'الخمايسي' لم أجد مبررا لهذا الجفاء فهو لم يزاحمهم قط في نفعيتهم ولم يتكالب علي 'كعكة' المؤسسة وزاهد حتي في الفتات الذي تلقيه لهم.. حتي المؤتمرات القليلة التي شارك فيها كانت دعوته اليها من خلال الأماكن التي عقدت فيها.
شيء آخر لاحظته وهو أن 'الخمايسي' يكاد يكون المبدع الوحيد الذي صدر له إصداران وهما 'الجبريلية' المجموعة القصصية، ورواية 'الصنم' وبالرغم من ذلك لم تتم مناقشة اي منهما في الأقصر *مع الوضع في الاعتبار ندرة الاصدارات وجودة الطرح الابداعي 'للخمايسي'.
حكاية لابد منها
منذ مايقرب من عام وبالتحديد يوم 9/7/2001م
والذي اطلق عليه يوم الغضب *ذهبت لزيارة 'الخمايسي' في بيته وكنا متفقين علي الذهاب الي ندوة نادي الأدب بعد فترة انقطاع وما أن وصلت الي بيته الكائن في شارع 'المزدلفة' *المتفرع من شارع التليفزيون *حتي ألفته ينتظرني امام الباب بعد أن سلم علي قال
*اتبعني سوف تري مايدهشك
وذهبنا حيث اراد.. كان قد صنع لافتة كبيرة من القماش، وكتب عليها 'القدس عربية'، وبرنة فرح حقيقية قال أننا سوف نتحرك في مسيرة سلمية من قصر الثقافة *نحن وباقي الأدباء* ونجوب انحاء المدينة مظهرين غضبنا... وسألني ما رأيك؟ لم اندهش وان كنت مترقبا لما سيحدث... وفي الندوة حين اقترح عليهم هذا الاقتراح لم يقولوا حتي اذهب انت وربك قاتلا لكنهم اتهموه باتهامات سخيفة وقالوا ان حالة البلد *يقصدون الأقصر *لاتحتمل ما يفكر فيه.. وحين خرج يحمل اللافتة في شوارع المدينة قالوا.. 'هو حتما مجنون..'
وقال هو.. 'هذا آخر عهدي بكم..
اتقن صناعة 'الآركت' وأسس في بيته ورشه صغيرة.. فسألته إن كانت هذه العملية تحقق له الربح.. راوغني قليلا وقال بأنه منذ فترة يعيد حساباته لأنه غير مقتنع بجدوي الكتابة الأدبية عموما، وغير راض عما يحدث في الأوساط الثقافية من صراعات تستهدف المنفعة.. وحين تطرقت بالحديث عن مشروعه الابداعي، اخبرني بأنه متوقف منذ فترة وانه سوف يكتفي بجمع الرواية والمجموعة القصصية وبعض القصص المتفرقة ويحاول اصدارهم في مجلد ويكفيه ما انجز وما اصابه من الأدب.
السيد العديسي
0 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك بدون تسجيل