"إلي شجرة دوم تأخذني.. من قبر (أبي- أمي _ أخي _ أختي).. وتبعث (في روحي) الحياة بجذورها.. الضاربة في تربة مقابر طيبة.. وفروعها المثمرة والتي تسكنها.. عصافير خضراء" هكذا يهدي الكاتب حسين خليفة كتابه "بيني وبينك مواعيد كثيرة" الصادر مؤخرا عن دار الحضارة. في المجموعة رائحة قوية، ربما تكون هي رائحة الأقصر التي ولد فيها الكاتب، أو ربما الجنوب بشكل عام،، وهي الرائحة التي أتت لتعبق الكتاب كله، سواء في الغموض الذي يلجأ إلي الكاتب، والتعتيم المتعمد للتفاصيل لتبدو أكثر سحراً، أو في التهويم، الذي عرفناه من كتاب جنوبيين آخرين مثل يحيي الطاهر عبد الله الآتي من جنوب مصر وماركيز الآتي من جنوب العالم. يحكي خليفة في قصة "المراويدي" عن الحرائق التي شبت في بيوت حارة من حارات النجع، وكأنه يتحدث عن الحرائق التي تجتاح حياتنا الآن (وهي سمة من سمات الفانتازيا، أي قدرتها الدائمة علي أن تعد نبوءة)، ويحكي عن المراويدي القادر علي إطفاء الحرائق: "دخل المراويدي النجع من حارة الحرائق، فخمدت النيران. خشيت القبيحات أن تتردد شائعة جديدة تقول: أن مصدر الحرائق هو قبحهن الذي طار من صدورهن مشتعلا، فقبعن في بيوتهن يطالعن المرايا بوجوه كالحة". الفانتازيا هنا لا تكمن في تفصيلة بعينها، إنها كامنة في القانون الكامل للحياة التي يكتبها خليفة."رقصة أم أحمد" هي قصة أخري نلمح فيها ليس الفانتازيا هذه المرة وإنما الاحتفاء بالسحر وبالرقص: "طبلت أم أحمد بقعر كوب زجاجي علي ترابيزة، يعتليها إناء زجاجي كبير مملوء بالماء المذاب فيه الحلو والمر. كانت تطبل بارتخاء شديد في أماكن متفرقة.. بدأت بالغناء لترتقي بالإيقاع." والخطر الذي يتهدد الرقصة يأتي من مكان آخر، من كلام المثقفين الذي يردده العم جاد مثل: "الدنيا دلوقتي قرية واحدة. تساءلت مندهشة: مين وحدها؟ رد العم جاد: الطائرات، التليفزيونات، أمريكا". شيء شبيه بهذا يحدث في قصة "يا ساقية دوري"، والرقصة هنا هي رقصة الساقية ورقصة الناس حولها بالمناجل، وهناك الخطر أيضاً في نفس القصة، والذي يأتي هذه المرة من الصيحة المترددة: "لما ياجي الريس بلدنا كيف تستقبله".الغناء واحد من أهم عناصر الكتاب، الغناء الذي يأتي هنا بعفويته وإباحته المستترة أحيانا ليشكل دليلا علي عنفوان الحياة الجنوبية، مثلما في الأغنية التي يقتبسها الكاتب في قصة "الجميلة.. جميلة": "يا غوايش كرمله/ يا غوايش نص الليل/ جابلي النيشان/ من إسنا/ قلت له بكام/ يا عريسنا/ قاللي الحساب/ نص الليل).
الخميس، 16 أبريل 2009
مقدمه لاخر اعمال القاص حسين خليفه شفاه الله
محمد عبداللطيف الصغير
محمد عبد اللطيف الصغير
إرسال بالبريد الإلكتروني
كتابة مدونة حول هذه المشاركة
المشاركة على X
المشاركة في Facebook
0 اكـتب تــعليــقـك على الموضوع:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك بدون تسجيل