الخميس، 29 يوليو 2010

انتهاء عقوبة السجن المؤبد لشاعر مصري


الحسانى

الشاعر الأقصرى “الحساني حسن عبدالله” أحد الأصوات الشعرية المؤثرة في جيل الستينيات كان له حضوره القوي في الوسط الشعري المصري، خاصة أنه كان من الأصوات الشعرية المؤيدة للقصيدة العمودية في وقت كثرت الدعوة فيه للشعر الحر، وقد عمل على إدخال العديد من التجديدات في القصيدة العمودية، وبرغم ذلك نجد له عدة مقالات في الستينيات عن عروض الشعر الحر، فهو ناقد و باحث في التراث، تداولت أخبار مؤخرا على اقتراب خروجه من السجن بعد قضاء عقوبة السجن المؤبد..وكالة أنباء الشعر التقت بأصدقاء الشاعر الكبير ورفاق دربه للتعرف منهم على مشوار شاعر أدى غيابه عن الساحه الثقافية إلى خروج أجيال جديدة لا تعرفه، خاصه أن أعماله المطبوعة قليلة جدا….والوكالة بدورها أجرت هذا التحقيق حول الشاعر المصري الكبير.

البداية كانت بأحد شعراء جيله المعاصرين وهو الشاعر المصري عبد المنعم عواد يوسف، والذي أكد أن حساني حسن عبدالله كان من أهم الشعراء المصريين في جيله ويكفيه أنه حصل على جائزة الدولة التشجيعية في أوائل أيامها، وكان حساني قريبا جدا من العقاد.

وحول محنة السجن قال: الحساني يقضي عقوبة السجن المؤبد في قضية مخدرات والغالبية الغظمى ترى أن القضية لفقت له، فقد بثوا له المخدرات وأرسلوها لزوجته، وما ان وصل حساني المنزل حتى قدم رجال الشرطة ليجدوا اللفافة في منزله، ليقبض عليه ويودع في السجن ويحكم عليه بالسجن المؤبد.

وحول السبب في ذلك يقول عواد يوسف أن حساني كانت طموحاته كبيرة جدا، وكانت له مشاريعه التجارية الكثيرة، ويبدوا أنه كانت هناك مشكلة مع أحد العاملين في المجال دفعتهم للإنتقام منه فلفقوا له هذه القضية لكن يبدو أن الأمر كان كبير جدا وكانوا يودون الانتقام منه بشدة، فقد لفقوا له ربع كيلو هروين أي ما يعادل ربع مليون جنية وهو مبلغ كبير جدا.

ويضيف أن القضية هذه كانت غريبة جدا، وليس هناك من يعرف الحقيقة أو يقف عليها، لكن حتى لوكان الأمر على عكس ذلك فهو لا يمنع أننا أمام شاعر كبير ومهم وكان له أعماله الشعرية المؤثرة.

ويلتقط الناقد الأدبي د.عبد المنعم تليمة أطراف الحديث ليؤكد على أهمية حساني حسن عبد الله الشعرية، وأنه واحد من أبناء جيله، وليس هذا فحسب بل هو أحد زملائه وقد التقوا في جامعة القاهرة وكان حساني في دار العلوم بينما كان تليمه بكلية الآداب، وقد عرفه عليه صديقه الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، ووقتها عرفه شاعرا متمكنا من لغته وتعبيراته الرصينة، وله ديوان كلاسيكي بعنوان”عِفت سكون النار”هذا الديوان لفت النظر إليه بشكل كبير وبه حصل على جائزة الدولة التشجيعية، في بداية السبعينيات تقريبا، وإضافة إلى كونه شاعر فلديه عدد من الكتابات النقدية.

ويقول تليمة حقيقة أنا لم أعرف بخبر سجنه، واعتبرت ان غيابه المفاجيء هذا جاء نتيجة سفره للخارج، ممثلما يفعل العديد من الكتاب المصريين لكنه لأول مرة يسمع عن ذلك من خلال اتصالنا به، لكنه كان شاعر مهم عرف بإلتزامه بالشعر العمودي التقليدي في الوقت الذي اتجه فيه الشعراء من أبناء جيله إلى التفعيلة، ودخل في العديد من الصراعات، وذلك لحرصه على العمودي ودفاعه عنه.

ويضيف الناقد والشاعر د.جابر قميحة أن حساني حسن عبد الله كان موهبة شعرية فذة، التقاه في رابطة أبناء دار العلوم، وهو شاعر ذو مكانه شعرية فذه تجربيه كانت من أهم التجارب، لكنه للأسف لس لدية عدد من الدواوين المطبوعة، فقد كان مقل في ذلك جدا، ومع ذلك فإن تجربته الشعرية كان مهمة جدا.

وفي النهاية يحدثنا الدكتور أحمد شمس الدين الجاجي الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة ورفيق دربه عن صديقه وعلاقته به ويسلط لنا الضوءحول شاعر عده من أعظم شعراء جيله، ويقول: الحساني صديقي تربينا سويا وبدأنا حياتنا الفكرية والشعرية سويا فقد بدأت حياتي شاعرا ثم اتجهت إلى العمل الأكاديمي، تاركا حقول الشعر المزهرة، ويسرد قصته مع صديقه منذ البداية في الأقصر وحتى وصولهم إلى الجامعة حيث دخل صديقه الشاعر إلى كلية دار العلوم، وهو إلى الآداب وظل تلازمهم.

ويقول د.أحمد أنه لا يعتقد أن يتم الإفراج عن صديقه قريبا، مشيرا إلى أنه كان يزوره في بداية دخوله إلى السجن لكنه انقطع عن الزيارة فيما بعد لصعوبة الموضوع على نفسه.

ويضيف الحساني ليس مجرد شاعر بل إنه من أعظم شعراء الفترة التي عايشها فهو من أهم شعراء جيل الستينيات، اما اقلاله من اصدار الدواوين فيأتي ذلك لأن الشاعر لايكتب إلا بعواطفه، وهو إضافة لكونه شاعرا فقد كان مدققا وناقدا، له العديد من المقالات النقدية التي نشرها في مجلة الثقافة، ولعب دور مهم في الحياة الثقافية، حصل على جائزة الدولة التشجيعية، واستطاع ان يطور في الشعر العمودي بشكل حداثي.

أما عن مواقفه فيقول د.أحمد كان له موقف سياسي كبير ضد الناصرية، وكانت علاقته بيوسف السباعي قوية جدا، عمل بالمجلس الأعلى للثقافة والفنون، وكان عازفا عن الشهرة إلى حد كبير وبرغم ذلك فقد كانت تأتيه وحدها.

وعن علاقته بالعقاد يقول كانت علاقة حب، فقد أحب العقاد حب الإبن لأبيه، خاصة وأنه فقد أبيه وهو في سن 13 سنة، لذا عندما قابل العقاد شعر بأنه ابيه وتعامل على هذا الأساس، حتى أنه عندما كتب شوقي ضيف كتابا عن العقاد، غضب الحساني كثيرا من ضيف وكتابه لأنه رأى أن الكتاب لم يعطي للعقاد حقه، فتأثير العقاد فيه كان انسانيا في المقام الأول، وكان في بدايه حياته يرى نفسه وريثا للعقاد، وقد حصل على درجة الماجستير وكانت في علم الجمال عند العقاد وحصل عليها من معهد الدراسات العربية في السبعينيات وكان يشرف على الرسالة د.شكري عياد.

ويضيف د.أحمد أن صديقه كانت له العديد من المعارك الأدبية التي خاضها ويتذكر منها معركته مع عز الدين اسماعيل في مجلة المجلة وكان يرأس تحريرها في ذلك الوقت د.عبد القادر القط، وقد كان قادرا على الردود وله كاريزما وحضور متفرد.

وبتأثر شديد يقول :لقد ذكرتيني بآلام ومواجع كنت أظن أني تغلبت عليها، فانت تتحدثين عن رفيق العمر، وقد حانت القضية بمثابة صدمة ليس لي وحدي بل لكل من كان يعرفه، وقد أعاد هذا الحديث لي آلام كثيرة وذكرني بجلسات المحكمة وجلسة الحكم، وكنت ادام الحضور ولم نتخيل أن تكون النهاية بهذا الشكل فك الله أسره وأعاده إلينا وإلى محبيه وإلى كتاباته من جديد.

وفي حديثه عن الحكم عليه وتلفيق التهمة له ومن صاحب المصلحة يقول “أشرف مروان” هل عرف من قتله إلى الآن بالتأكيد لو عرفنا من قام بذلك لحلت القضية، لكن بالتأكيد هناك أناس خانوه وقدموا له الأزى…قد يكون ذلك صديق خانه أو ليس بصديق..الله أعلم.

ويضيف: حساني كان شخص ودود وأبوه “شيخ عرب”كبير بيته كان دوما مفتوح متعود على الكرم، وبرغم أنه كان من مؤيدي الشعر العمودي إلا أن صداقه كبيرة كانت تجمعه بشعراء جيله فاختلاف الرأي لا يفسد الود وكانت لديه علاقة قوية بـ “صلاح عبد الصبور”، “أحمد عبد المعطي حجازي”، “أمل دنقل”، “فاروق شوشة”، “عبد المنعم عواد يوسف” وغيرهم كثيرين، فالحديث عن حساني حسن عبد الله حدديث مليء بالشعر والشجون فك الله حبسه وأعاده إلينا.


شاهد المزيد على رابط موقع الاقصر اليوم

الاثنين، 19 يوليو 2010

اخبار ثقافية من الاقصر




كتب – محمد عبداللطيف الصغير

إعادة انتخابات نادي الأدب

قرر إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافى اعادة انتخابات نادى الادب بالاقصر بعد الطعن الذى قدمه الروائى والمترجم عبدالسلام ابراهيم  لعدم دعوته رسميا للانتخابات التى اجريت منذ شهر ونصف الشهر  .

” المراثي ” ديوان جديد  للعمارى

يصدر قريبا بالقاهرة الديوان الثاني للشاعر  محمد جاد المولى العمارى  الذي يحمل عنوان “المراثي ” يذكر أن الديوان قد حصل على جائزة بهاء طاهر هذا العام  التي ينظمها ويشرف عليها اتحاد كتاب مصر .

فتح باب التقدم لجائزة بهاء طاهر

أعلن اتحاد كتاب مصر عن فتح باب التقدم لنيل جائزة بهاء طاهر السنوية  المخصصة لأدباء الأقصر  والتي تقدر بخمسة آلاف جنية وتعتبر هذه الجائزة التي فاز بها في دورتها الأولى الشاعر حسين القباحى  وفى الدورة السابقة الشاعر محمد جاد المولى العمارى هي أول جائزة من نوعها لأدباء الأقصر والتي يشرف عليها اتحاد كتاب مصر .

اتحاد كتاب الإمارات يشكر أدباء الأقصر

عبر اتحاد كتاب الإمارات عن  امتنانه وتقديره لأدباء الأقصر  على

المستوى المتميز الذي قدمه المشاركون  في مهرجان أيام الأقصر بالشارقة  والذي أقيم في الإمارات  وجاء ذلك في رسالة إرسالها الاتحاد للشاعر حسين القباحى رئيس وفد أدباء الاقصرالذى زار الإمارات مؤخرا .

شاهدوا المزيد من الاخبار على نافذتكم الاخبارية على الاقصر (الاقصر اليوم) على هذا الرابط http://luxortoday.com/main/

الاثنين، 5 يوليو 2010

قصة قصيرة ( مواسم الحصاد ) بقلم عبد الفتاح عبد الكريم من الاقصر



علي غير المتوقع وفي لحظات بدأ الرجل الإنسان يشعر بأن الدنيا تدير ظهرها له بقسوة وعنف ويتخلي عنه الكل كأسوأ عقوبة لرجل فعل كل الخير‏,‏ أظلمت حياته ودار الزمان دورة مباغتة‏
ليبقي عم علي مابين انتظار زيارة أولاده الثلاثة الذين لهتهم دنياهم وأغرقتهم في هموم بيوتهم وذكريات جميلة رائعة من زوجة مخلصة رحلت مبكرا وتركته وحيدا وابن ساقته له الاقدار وسافر لبلاد الغربة والمشاعر الثلجية وتاه هناك وسط اللحظات الحرجة البائسة‏.‏ وهو يقاوم مرضه وحزنه‏,‏ طرق علي الباب طارق بلهفة شديدة‏,‏ تحامل علي نفسه وتوكأ علي عكازه وآلامه وترجل نحو الباب‏,‏ فتح الباب وكأن الغيث يقف أمام الباب‏.‏ المشهد مذهل ومباغت‏,‏ لم يحتمل وقع المفاجأة السعيدة‏..‏ هطلت دموعه‏..‏ لم يحلم حتي في حالات الغيبوبة بسبب الالم ودرجة الحرارة العالية التي تعصف بجسده المنهك‏,‏ أن يأتي هذا الولد من البلاد البعيدة‏..‏ يتذكره ويأتي للسؤال عنه بعد تلك المدة من الغياب‏..‏ قفز عمر نحوه وتعلق في رقبته كطفل مرتعب تعلق في رقبة أمه‏,‏ أخذه في حضنه أحس بدفء مشاعره‏,‏ وبشوقه ولهفته علي رؤياه‏,‏ رأي الصدق والوفاء يشعان من عينيه‏,‏ انهمرت دموع عمر لتغرق وجنتيه‏..‏ ويرجع للخلف مرات ويهب لمعانقة والده مرات‏,‏ أبي الغالي علي العزيز‏,‏ أبي الإنسان العظيم صاحب الفضل الكبير علي بعد خالقي في هذه الدنيا‏.‏
وهدأت حرارة اللقاء العاصف‏,‏ نظر عم علي حوله فإذا بامرأة جميلة المحيا‏,‏ بيضاء لحد الحمرة‏,‏ خضراء العينين ومعها طفل جميل‏..‏ كأنه عمر‏,‏ قال عم علي من هذه؟ رد‏:‏ عمر زوجتي يا أبي‏,‏ ودعاهم للدخول وهو يعتذر عن سوء حال البيت وما آل إليه الوضع بسبب وحدته التي تعصف بكل شيء حوله‏.‏
قال عمر‏:‏ انا أعشق التراب الذي تخطو فوقه‏..‏ أعشق زفيرك الذي تطرده من صدرك‏,‏ كل شيء حولك جميل‏,‏ أنت يا أغلي شيء في الوجود لن أنساك أبدا يا معين الخير‏..‏ فكل نجاح حققته في حياتي كان بسبب وقفتك وبسبب حضورك في قلبي وعقلي‏,‏ أنت اليد التي ظلت تربت علي أكتافي في الغربة وصوتك ينهرني ويحثني علي مواصلة طريق التفوق والنجاح‏,‏ كل إهداء علي كتبي كان لك‏..‏ إلي الرجل الإنسان الذي امتلأ قلبه بالرحمة‏..‏ فصنع برحمته نجاحي وتفوقي‏.‏
هو عمر ذلك الطفل الصغير الذي كان امتحان القدر له قاسيا وهو غض ولين‏,‏ توفي والده وهو في الخامسة من عمره‏..‏ ولحقت به أمه بعد عام واحد‏,‏ تركاه وحيدا‏..‏ طفلا يواجه طوفان الحياة بمفرده إلا القليل من الأقارب الذين أعيتهم الحياة والهموم‏.‏
كان يسكن بجوار عم علي‏,‏ لم يقو الرجل علي رؤية ذلك الطفل اليتيم في مهب الريح والوحدة تدمره وقلة الحيلة تحاصره والضياع بدا في الأفق كسحابة قاتمة ـ تزحف نحوه‏,‏ قرر ضمه إلي بيته مع أولاده الثلاثة الذين يكبرونه سنا وزوجته الطبية رحبت بذلك واحتضنت عمر كأنه نازل من رحمها لتوه‏,‏ فكانت نعم الأم الحنون العطوف‏,‏ وكانت الاقدار لطيفة به‏.‏ التحق عمر بالمدرسة‏,‏ له في البيت كل ما للأبناء من حقوق وعليه ما عليهم من التزامات‏,‏ وفي أحيان كثيرة يميزه عم علي حتي لايشعر بانكسار النفس يوما ما بدأ يشعر بأن الله سبحانه وتعالي كما أخذ أعطي بسخاء‏,‏ وكان العوض فوق مايعلم‏,‏ انتبه عمر من صغره لذلك فكان علي قدر من المسئولية‏,‏ تفوق في دراسته باكتساح‏,‏ وفي البيت مثاليا في طاعته وفي مساعدة إخوانه بسخاء وجدية‏.‏ بدأ نضوجه في تصرفاته وكلامه مبكرا وكأن لطمة القدر أفاقته ورمت علي أكتافه بجبل من المسئولية المبكرة‏.‏ وصنعت منه رجلا في عمر الصبا والطفولة‏.‏
بتفوق اجتاز المرحلة الابتدائية‏,‏ عم علي كان دائما ما يخلو به ويسدي اليه النصائح الغالية‏.‏ يا عمر ليس هناك مستحيل‏,‏ الكفاح هو المفتاح السحري لكل الأبواب المغلقة وطريق الصعود لقمة المجد‏..‏ وأنت ياعمر منحك الله ومن عليك بعقلية ناضجة وذكية يحسدك عليها الناس‏,‏ فما كان من عمر إلا السماع الجيد والطاعة‏.‏ ودخل عمر المرحلة الاعدادية وهو يحفظ عن ظهر قلب تلك النصائح الغالية وبإصرار وعزيمة وتفوق مرت تلك المرحلة ليحقق عمر إنجازا تحدث عنه الكل بدهشة ويكمل دراسته الثانوية بمدرسة المتفوقين في المحافظة بنفس العزيمة والجدية‏,‏ وازداد تمسك وحب عم علي لعمر وزاد سخاؤه ومن الله عليه بالخير وفتحت أبواب الرزق علي مصراعيها‏,‏ ويتعانق السخاء مع النضوج لتتشكل ملامح حكاية رجل ناجح‏,‏ تأتي نتيجة الثانوية ليضع عمر قدمه علي أول خطوة في طرق المجد والشهرة‏,‏ الأول علي الجمهورية‏..‏ ليسافر مع الأوائل في رحلة خارج البلاد ويحكي هناك بكل فخر واعتزاز حكايته مع الأب الذي عوضه الله به‏..‏ يعود للبيت مسرعا وهو يوزع فرحته وقبلاته ومشاعره الدافئة علي الأب والأم والأخوة‏..‏ ويقسم لهم بأن أجمل مكان في العالم هو ذلك البيت الصغير‏..‏ الكبير بمعانيه السامية وقيمه العالية‏.‏ وكجواد جامح يلتحق بكلية الطب‏..‏ وكأنه اقترن بالتفوق وصار الوجه الآخر له‏,‏ إصراره علي تحقيق أمنية الرجل المخلص يقوده دائما لبذل الجهد المضاعف ويفتح الله علي عم علي أكثر وأكثر وتتضاعف مكاسب التجارة ويشتري الأرض الزراعية‏,‏ يأتيه الرزق مضاعفا مكافأة لنبل موقفه‏,‏ فكان لعمر كل ما احتاج له في كلية الطب مهما غلا ثمنه‏,‏ وشهور الدراسة في الكلية وإجازة الصيف في البيت وسط العائلة يؤدي ما عليه بكل تواضع وطاعة‏,‏ وكلما كبر سنه وعقله ازداد تعلقه وارتباطه بتلك العائلة‏,‏ وهو يعتذر لهم كل يوم علي ماسببه لهم من متاعب ومسئوليات زائدة‏..‏ وكان الكل ينهره ويعنفه علي ذلك بحب‏.‏
وانطلق قطار التفوق والنجاح بلا عائق وفتحت أبواب السماء كلمح البصر مرت سنوات الطب الست وكالعادة نجح بامتياز مع مرتبة الشرف وعين معيدا ولكنه من لطف القدر وأبواب السماء المفتوحة كان عميد كلية طب جامعة هامبورج الألمانية في زيارة لكليته والتقاه وأعجب به أيما إعجاب‏,‏ فطلب من كليته إيفاده لإكمال دراسته علي نفقة جامعة هامبورج‏..‏ احتضنت عقلية فذة وقدرة علي العطاء‏,‏ وركب عمر جواد الريح وسافر‏,‏ فتحت له أبواب السماء ودنا المجد ليحمله علي الاكتاف‏,‏ وهناك غاب عمر وغاب‏..‏ أخذته الغربة في حضنها‏,‏ لكنه لم ينقطع عن الاتصال بأهله‏..‏ خطاباته الدافئة تأتي محملة بأخبار نجاحاته‏,‏ عم علي حزن علي فراقه وبعده فكان بمثابة نن العين وشغاف القلب وزهرة العمر‏,‏ الهواء العليل الذي يستنشقه‏,‏ الصوت الجميل الذي يؤنس وحشته‏,‏ الحضن الدافئ الذي يهدئ روعه‏,‏ مرت السنوات طويلة وثقيلة وهو علي هذه الحال‏,‏ حتي ظن عم علي أن الغربة ابتلعت الغالي والتهمته دروب العلم للأبد‏,‏ وشعر بأن ظهره ينكسر برحيل زوجته فاطمة الغالية‏..‏ سفر العزيز منحه القدر‏..‏ زواج أولاده الثلاثة بعد حصولهم علي مؤهلات متوسطة والتحاقهم بأعمالهم وذهابهم جميعا حيث طريق الزوجة والاولاد ودوامة الحياة‏,‏ شعر عم علي بأن الدنيا تنفض يديها عنه وتركته وحيدا يواجه الحيرة والمرض والبكاء علي الأيام الخوالي‏.‏
ولكن تبا لك أيتها الأفكار السوداء‏..‏ تبا لك أيها الشيطان الملعون فها هو الوفي المخلص عمر يطرق بلهفة علي الباب‏,‏ يقبل الأيادي ينحني بتواضع العظماء يقبل تراب البيت‏..‏ كل ركن من أركانه وسط دهشة زوجته الألمانية‏..‏ يبكي أمه الغالية الراحلة فاطمة‏..‏ ويبكي وحدة والده علي ويعتذر ويعتذر ويعتذر ويرجو منه أن يغفر له تقصيره غير المتعمد يجلس عمر ويضع رأس والده علي حجره‏..‏ يهدهده كطفل صغير‏,‏ كما كان يفعل معه وهو صغير‏,‏ ويحكي له‏:‏ أنا الآن ياأعظم أب أنجبته البشرية في كل الأزمان أستاذ في كلية طب جامعة هامبورج الألمانية ولي العديد من المؤلفات في العالم كله‏,‏ لكن أنت الأستاذ الكبير‏..‏ أنت الطبيب صاحب القلب الكبير الذي يختزن بداخله كل الخير والحب والعطاء يشير عمر لزوجته هيلينا‏:‏ هذه زوجتي وهي مدرسة معي في الكلية‏.‏ والدها أستاذ كبير وصاحب أكبر وأشهر مستشفي في ألمانيا‏,‏ تهب زوجته مشاركة في الحديث‏:‏ في تلك اللحظة الخالدة سأعلن أمامك أيها الرجل العظيم أحلي وأجمل خبر ينتظره إبنك الغالي عمر‏..‏ أجلت إعلان الخبر لتلك اللحظة التي كنت أنتظرها بلهفة وشوق‏,‏ انتفض عمر مبتهجا مسرورا وقال‏:‏ انطقي بالله عليك‏..‏ أريحي قلبي‏..‏ واروي ظمأ العمر‏..‏ أنطقي حلم السنين وعم علي يحدق دون أن يفهم مايحدث‏.‏
قالت بثقة‏:‏ أنا في تلك اللحظة أعلن اعتناقي للإسلام‏..‏ أنا مسلمة من الآن واسمي فاطمة علي اسم السيدة الراحلة التي احببتها يا عمر لكي تحبني العمر كله‏,‏ تحب الزوجة المخلصة والأم المتفانية‏,‏ وطبعت علي جبهة عم علي قبلة‏..‏ اثلجت صدره وأعادت له الحياة من جديد‏,‏ هلل عمر فرحا وأخذها في حضنه وظل يرقص‏,‏ توسطهما عمر وضع يمناه علي كتف والده ويسراه علي كتف زوجته وابنه علي حجره‏,‏ وقال كل شيء من الآن حلو وجميل‏..‏ لقد أعطاني الله كل شيء شكرا لك ربي وسجد لله‏,‏ وأنت يا أبي يا وجه الخير‏..‏ دائما يهل الخير في حضرتك‏.‏
وجاء الاخوة الثلاثة ورحبوا بعمر وبوجوده بينهم وأخبرهم عمر أنه رهن إشارتهم في أي شيء يحتاجونه من الأن‏,‏ وأنه سيصطحب والده علي معه ليعرضه علي كبار الأطباء‏,‏ ويعيش معه في المانيا مابقي من عمره‏,‏ وأمرهم بهدم البيت وتحويله إلي أكبر دار لرعاية الأيتام مهما كلفه ذلك‏.‏ ووقفت فاطمة لتفاجئ عمر للمرة الثانية في تلك الليلة‏.‏ بجوار البيت سأقيم أجمل وأرقي مستشفي لأهل القرية مهما كلفني ذلك‏.‏ وسط فرحة الكل وانبهارهم بكرمها وقلبها الكبير‏.‏
وحضر كل أهل القرية والقري المجاورة‏,‏ كل من سمع بحضور عمر كل من عرفه ومن سمع عنه‏,‏ رحبوا به وسعدوا بحضوره وشكروه وزوجته علي عروض الخير‏,‏ وتحولت وسعاية القرية الي مسرح كبير لفرح حقيقي ومن القلوب‏..‏ وشارك فيه الكل وسهروا حتي الصباح قالوا للدكتور عمر‏:‏ هذه ليلة زواجك من فاطمة بأثر رجعي‏..‏ الفرح الذي كان لابد ان تقيمه بيننا‏.‏ ودغدغت مشاعر فاطمة تلك البساطة والطيبة والحب الذي أبداه أهل القرية لهم وسعدت كثيرا و المئات من حولها يرددون أهلا فاطمة مرحبا فاطمة‏,‏ وفي اليوم التالي كان الدكتور عمر يعتلي سيارته وبجواره والده ومن الخلف زوجته فاطمة وابنها علي‏,‏ لينطلق بها إلي القاهرة ومنها لألمانيا وسط زغاريد الأهل‏..‏ والأكف كل الأكف
ارتفعت صوب السماء
تدعو لهما بالخير والتوفيق‏.‏